أحرقته. ففزعت من منامها وقامت وهي مرعوبة وقد ذرعت ذعرا شديدا. فسكن عمرو روعتها وسأل عن قصتها. فقالت: والنور والظلماء ليهلكن الشجر ويتلف اليمن ويخرب البلاد ويتشتت العباد. قال: وكيف يكون ذلك. قالت سبع سنين شداد تأتي بالزلزال والأوابد يقطع فيها الولد الوالد. قال لها عمرو: قد نصحت وصدقت فما وجه الرأي قالت سرْ إلى السدّ فإذا رأيت البرق والرعد وطلع النحس وغاب السعد فعند ذلك الجرذ الجرذ إذا رأيته يكثر الحفر ويقلّب بيديه عظام الصخر فقد أزف الأمر فعليك بالصبر ولا تجزع للدهر. قال لها: فمتى ترين ذلك يكون. قالت له: لا أدري غير أنه أمر من الله نزل وحكم منه سبق في الأزل لا ينصرف عن سهل ولا جبل حيثما أراد وصل فليكن منك الحذر الوجل. فانطلق عمرو إلى السد فلم يزل يتعاهده حتى رأى يوما جرذا يحفر السد بيديه ورجليه فكان يقلب الصخرة التي لا يقلبها إلا أربعون رجلا: وكان الجرذ أعمى فلما رأى ذلك رجع إلى طريفة وقال لها رأيت تصديق مقالتك يا طريفة. فقالت له يا عمرو الأسفار دارا بدار وجارا من جار عند ما ينزل الأقدار ويستأثر الليل والنهار. قالت ومتى ذلك. قالت: لسبع سنين ينزل الأمر بيقين بتفريق اليدين ويكثر الرين. وقال قوم أنها السبع الشداد التي رآها عزيز مصر وفسر له روياه يوسف الصدّيق عليه السلام. ففعل عمرو ما أمرته طريفة وكتم الأمر وأجمع أن يرتحل في ولده وقومه وكتم ذلك لئلا ينكره الناس عليه. ثم أنه يوما أمر بعمل مائدة فنحر مائة من الإبل وذبح من الغنم شيئا كثيرا ونادى في العرب أن هلموا إلى مجد مزيقياء. فتأتي له الناس من كل جانب ولم يتخلف عنه شريف ولا وضيع. ثم أمر أكبر أولاده وهو ثعلبة العنقاء جدّ الأوس والخزرج أبو أبيهم حارثة بن ثعلبة العنقاء. وقال له: إذا أمرتك بأمر فلا تأتمر. فإني سأضربك بعنزتي هذه فإذا ضربتك فالطم وجهي. فقال له ثعلبة: والله يا أبت ما أستطيع دفع يدي إلى وجهك ولا تطاوعني نفسي على ذلك. قال: يا بني أن لي عليك حقا فلا تخالف أباك فإذا في ذلك مصلحة لي ولك. فقال له ثعلبة: سمعا وطاعة. فلما طعم