فأقر الله سبحانه ذلك كله إلا ما استثنى من المهاجرات المؤمنات من النساء: فإنه نهاهم عن ردهن إلى الكفار، وحرمهن على الكفار يومئذ، وهذا أمر عزيز ما يقع في الأصول، وهو تخصيص السنة بالقرآن، ومنهم من عده نسخاً، كمذهب أبي حنيفة وبعض الأصوليين، وليس هو الذي عليه أكثر المتأخرين، والنزاع في ذلك قريب، إذ يرجع حاصله إلى مناقشة في اللفظ.
وقد كان صلى الله عليه وسلم قبل وقوع هذا الصلح بعث عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أهل مكة يعلمهم أنه لم يجيء لقتال أحد وإنما جاء معتمراً، فكان من سيادة عثمان رضي الله عنه أنه عرض عليه المشركون الطواف بالبيت، فأبى عليهم وقال: لا أطوف بها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يرجع عثمان رضي الله عنه، حتى بلغه صلى الله عليه وسلم أنه قد قتل عثمان، فحمي لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا أصحابه إلى البيعة على القتال، فبايعوه تحت شجرة هناك، وكانت سمرة، وكان عدة من بايعه هناك جملة من قدمنا أنه خرج معه إلى الحديبية إلا الجد بن قيس فإنه كان قد استتر ببعير له نفاقاً منه وخذلانا، وإلا أبا سريحة حذيفة بن أسيد، فإنه شهد الحديبية، وقيل: إنه لم يبايع، وقيل: بل بايع.