للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ * وَأَنَّ الَّذِي يُعْطِيكَ غَيْرُ بَعِيدِ (١) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفرج: وَقد أَحْسَنَ فِي قَوْلِهِ: " وَأَنَّ الَّذِي يُعْطِيكَ غَيْرُ بَعِيدِ " وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَرُجِيَ لَهُ الْخَيْرُ فِي مَعَادِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: (واسألوا الله من فَضله (٢) .

وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان) (٣) .

وَعَنِ الْوَضَّاحِ بْنِ مَعْبَدٍ الطَّائِيِّ قَالَ: وَفَدَ حَاتِمٌ الطَّائِيُّ عَلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، فَأَكْرَمَهُ وَأَدْنَاهُ، ثمَّ زوده عِنْد انْصِرَافه جملين ذَهَبًا وَوَرِقًا غَيْرَ مَا أَعْطَاهُ مِنْ طَرَائِفِ بَلَدِهِ، فَرَحَلَ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى أَهْلِهِ تَلَقَّتْهُ أَعَارِيبُ طَيِّئٍ، فَقَالَتْ: يَا حَاتِمُ أَتَيْتَ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ وَأَتَيْنَا مِنْ عِنْدِ أَهَالِينَا بِالْفَقْرِ! فَقَالَ حَاتِمٌ: هَلُمَّ فَخُذُوا مَا بَيْنَ يَدِيَّ فَتَوَزَّعُوهُ.

فَوَثَبُوا إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ حِبَاءِ النُّعْمَانِ فَاقْتَسَمُوهُ، فَخَرَجَتْ إِلَى حَاتِمٍ طَرِيفَةُ جَارِيَتُهُ، فَقَالَتْ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَبْقِ عَلَى نَفْسِكَ، فَمَا يَدَعُ هَؤُلَاءِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا.

فَأَنْشَأَ يَقُولُ: قَالَتْ طُرَيْفَةُ: مَا تَبْقَى دَرَاهِمُنَا * وَمَا بِنَا سَرَفٌ فِيهَا وَلَا خَرَقُ إِنْ يَفْنَ مَا عِنْدَنَا فَاللَّهُ يَرْزُقُنَا * مِمَّنْ سِوَانَا وَلَسْنَا نَحْنُ نَرْتَزِقُ مَا يَأْلَفُ الدِّرْهَمُ الْكَارِيُّ خِرْقَتَنَا * إِلَّا يَمُرُّ عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْطَلِقُ إِنَّا إِذَا اجْتَمَعَتْ يَوْمًا دَرَاهِمُنَا * ظَلَّتْ إِلَى سُبُلِ الْمَعْرُوفِ تَسْتَبِقُ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قِيلَ لِحَاتِمٍ: هَلْ فِي الْعَرَبِ أَجْوَدُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: كُلُّ الْعَرَبِ أَجْوَدُ مِنِّي.

ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ قَالَ: نَزَلْتُ عَلَى غُلَامٍ مِنَ الْعَرَبِ يَتِيمٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ مِائَةٌ مِنَ الْغَنَمِ، فَذَبَحَ لِي شَاةً مِنْهَا وَأَتَانِي بِهَا، فَلَمَّا قَرَّبَ إِلَيَّ دماغها قلت: مَا أطيب هَذَا


(١) فِي الْبَيْت إقواء (٢) سُورَة النِّسَاء ٣٢ (٣) سُورَة الْبَقَرَة ١٨٦ (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>