الدِّمَاغَ! قَالَ: فَذَهَبَ فَلَمْ يَزَلْ يَأْتِينِي مِنْهُ حَتَّى قُلْتُ قَدِ اكْتَفَيْتُ.
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ إِذَا هُوَ قَدْ ذَبَحَ الْمِائَةَ شَاةٍ وَبَقِيَ لَا شئ لَهُ! فَقِيلَ: فَمَا صَنَعْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: وَمَتَى أبلغ شكره وَلَو صنعت بِهِ كل شئ! قَالَ: على كل حَال أَعْطَيْتُهُ مِائَةَ نَاقَةٍ مِنْ خِيَارِ إِبِلِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِ " مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ": حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ ابْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ وَمَشْيَخَةٌ من مشيخة طَيئ، قَالُوا: كَانَت عنترة (١) بِنْتُ عَفِيفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَمُّ حَاتِمِ طَيِّئٍ لَا تُمْسِكُ شَيْئًا سَخَاءً وَجُودًا، وَكَانَ إِخْوَتُهَا يَمْنَعُونَهَا فَتَأْبَى، وَكَانَتِ امْرَأَةً مُوسِرَةً، فَحَبَسُوهَا فِي بَيْتٍ سَنَةً يُطْعِمُونَهَا قُوتَهَا لَعَلَّهَا تَكُفُّ عَمَّا تَصْنَعُ، ثُمَّ أَخْرَجُوهَا بَعْدَ سَنَةٍ، وَقَدْ ظَنُّوا أَنَّهَا قَدْ تَرَكَتْ ذَلِكَ الْخُلُقَ، فَدَفَعُوا إِلَيْهَا صِرْمَةً مِنْ مَالِهَا وَقَالُوا اسْتَمْتِعِي بِهَا.
فَأَتَتْهَا
امْرَأَةٌ مِنْ هَوَازِنَ وَكَانَتْ تَغْشَاهَا فَسَأَلَتْهَا، فَقَالَتْ: دُونَكِ هَذِهِ الصِّرْمَةَ، فَقَدْ وَاللَّهِ مَسَّنِي مِنَ الْجُوعِ مَا آلَيْتُ أَنْ لَا أَمْنَعَ سَائِلًا، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ: لَعَمْرِي لقدما عضني الْجُوع عضة * فآليت أَلا أَمْنَعَ الدَّهْرَ جَائِعًا فَقُولَا لِهَذَا اللَّائِمِي الْيَوْمَ أَعْفِنِي * وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَعَضَّ الْأَصَابِعَا فَمَاذَا عَسَاكُمْ أَنْ تَقُولُوا لِأُخْتِكُمْ * سِوَى عَذْلِكُمْ أَوْ عَذَلِ مَنْ كَانَ مَانِعًا وَمَاذَا تَرَوْنَ الْيَوْم إِلَّا طبيعة * فَكيف بتركي يَا بن أُمِّي الطَّبَائِعَا وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ: عَنْ مِلْحَانَ بْنِ عَرْكِيِّ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: شَهِدْتُ حَاتِمًا يَكِيدُ بِنَفْسِهِ (٢) ، فَقَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي أَعْهَدُ مِنْ نَفْسِي ثَلَاثَ خِصَالٍ: وَاللَّهِ مَا خاتلت جَارة لريبة قطّ، وَلَا اؤتمنت على أَمَانَة إِلَّا أديتها، وَلَا أَتَى أحد من قبلى بِسوء.
(١) مَكَارِم الاخلاق: غنية (٢) يكيد بِنَفسِهِ: يجود (*)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute