للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَادَهُ مَرْمَرًا وَجَلَّلَهُ كِلْ * سًا فَلِلطَّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ لَمْ يَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَبَانَ الْ * - مُلْكُ عَنْهُ فَبَابُهُ مَهْجُورُ وَتَذَكَّرْ رَبَّ الْخَوَرْنَقِ إِذْ أَشْ * - رَفَ يَوْمًا وَلِلْهُدَى تَفْكِيرُ (١) سَرَّهُ مَالُهُ وَكَثْرَةُ مَا يَمْ * لِكُ وَالْبَحْرُ مُعْرِضًا وَالسَّدِيرُ (٢) فَارْعَوَى قَلْبُهُ وَقَالَ: وَمَا غِبْ * - طَةُ حَيٍّ إِلَى الْمَمَاتِ يَصِيرُ ثُمَّ أَضْحَوْا كَأَنَّهُمْ وَرَقٌ جَ * - فَّ فَأَلْوَتْ بِهِ الصَّبَا وَالدَّبُورُ (٣)

قُلْتُ: وَرَبُّ الْخَوَرْنَقِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شِعْرِهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُلُوكِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَعَظَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ زَمَانِهِ فِي أَمْرِهِ الَّذِي كَانَ قَدْ أَسْرَفَ فِيهِ وَعَتَا (٤) وَتَمَرَّدَ فِيهِ وَأَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَلَمْ يُرَاقِبْ فِيهَا مَوْلَاهَا، فَوَعَظَهُ بِمَنْ سَلَفَ قَبْلَهُ مِنَ الْمُلُوكِ وَالدُّوَلِ، وَكَيْفَ بَادُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأَنَّهُ مَا صَارَ إِلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ إِلَّا وَهُوَ مُنْتَقِلٌ عَنْهُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ، فَأَخَذَتْهُ مَوْعِظَتُهُ وَبَلَغَتْ مِنْهُ كُلَّ مَبْلَغٍ، فَارْعَوَى لِنَفْسِهِ، وَفَكَّرَ فِي يَوْمِهِ وَأَمْسِهِ، وَخَافَ مِنْ ضِيقِ رَمْسِهِ، فَتَابَ وَأَنَابَ وَنَزَعَ عَمَّا كَانَ فِيهِ، وَتَرَكَ الْمُلْكَ وَلَبِسَ زِيَّ الْفُقَرَاءِ، وساح فِي الفلوات وحظي بالخطوات، وَخَرَجَ عَمَّا كَانَ النَّاسُ فِيهِ مِنِ اتِّبَاعِ الشَّهَوَات وعصيان رب السَّمَوَات.

وَقَدْ ذَكَرَ قِصَّتَهُ مَبْسُوطَةً الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ بن قدامَة الْمَقْدِسِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي كِتَابِ " التَّوَّابِينَ " وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهَا بِإِسْنَادٍ مَتِينٍ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي كِتَابِ " الرَّوْضُ الانف " الْمُرَتّب أحسن تَرْتِيب وأوضح تَبْيِين.


(١) ا: تذكير.
(٢) ا: معرض.
(٣) ألوت بِهِ: ا: ذهبت بِهِ، وَالصبَا: ريح مهبها من مطلع الثريا إِلَى بَنَات نعش.
وَالدبور ريح تقَابل الصِّبَا.
(٤) ا: وعق.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>