للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَبَرُ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ وَأَمَّا صَاحِبُ الْحَضْرِ وَهُوَ سَاطِرُونَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى سَائِرِ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ، وَكَانَ مِنْ زَمَنِ إِسْكَنْدَرَ بن فلبيس الْمَقْدُونِيِّ الْيُونَانِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَى مَلِكِ الْفُرْسِ دَارَا بْنِ دَارَا، وَأَذَلَّ مَمْلَكَتَهُ وَخَرَّبَ بِلَادِهِ وَاسْتَبَاحَ بَيْضَةَ قَوْمِهِ وَنَهَبَ حَوَاصِلَهُ، وَمَزَّقَ شَمْلَ الْفُرْسِ شَذَرَ مَذَرَ، عَزَمَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ شَمْلٌ وَلَا يَلْتَئِمَ لَهُمْ أَمْرٌ.

فَجَعَلَ يُقِرُّ كُلَّ مَلِكٍ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ فِي إِقْلِيمٍ مِنْ أَقَالِيمِ الْأَرْضِ مَا بَيْنَ عَرَبِهَا وَأَعَاجِمِهَا، فَاسْتَمَرَّ كل ملك مِنْهُم يحمى حوزنه وَيَحْفَظُ حِصَّتَهُ وَيَسْتَغِلُّ مَحِلَّتَهُ، فَاذَا هَلَكَ قَامَ وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ أَوْ أَحَدُ قَوْمِهِ، فَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ.

حَتَّى كَانَ أردشير بْنُ بَابِكَ مِنْ بَنِي سَاسَانَ بْنِ بَهْمَنَ بْنِ إِسْفِنْدِيَارَ بْنِ يَشْتَاسِبَ بْنِ لِهْرَاسِبَ، فَأَعَادَ مُلْكَهُمْ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَرَجَعَتِ الْمَمَالِكُ بِرُمَّتِهَا إِلَيْهِ، وَأَزَالَ مَمَالِكَ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ تَالِدٌ وَلَا طَارِفٌ، وَكَانَ تَأَخَّرَ عَلَيْهِ حِصَارُ صَاحِبِ الْحَضْرِ الَّذِي كَانَ أَكْبَرَهُمْ وَأَشَدَّهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ إِذْ كَانَ رَئِيسَهُمْ وَمُقَدَّمَهُمْ، فَلَمَّا مَاتَ أردشير تَصَدَّى لَهُ وَلَدُهُ سَابُورُ فَحَاصَرَهُ حَتَّى أَخَذَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>