للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَاصِلِ لِلشَّخْصِ الْمَوْصُوفِ بِهِ مِنْ أَدِلَّتِهَا الْمَخْصُوصَةِ بِهَا وَهِيَ الْأَدِلَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَهَذَا الْقَيْدُ يُخْرِجُ التَّقْلِيدَ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ دَلِيلًا لَهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْمَخْصُوصَةِ وَقَوْلُهُ التَّفْصِيلِيَّةُ يُخْرِجُ الْإِجْمَالِيَّةَ كَالْمُقْتَضِي وَالنَّافِي، وَقَدْ زَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى هَذَا قَوْلَهُ بِالِاسْتِدْلَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُكَرَّرٌ.

وَلَمَّا عُرِفَ الْفِقْهُ بِالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَجَبَ تَعْرِيفُ الْحُكْمِ وَتَعْرِيفُ الشَّرْعِيَّةِ فَقَالَ (وَالْحُكْمُ قِيلَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى) هَذَا التَّعْرِيفُ مَنْقُولٌ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ فَقَوْلُهُ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى يَشْمَلُ جَمِيعَ الْخِطَابَاتِ.

وَقَوْلُهُ (الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ) يُخْرِجُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَبَقِيَ فِي الْحَدِّ نَحْوُ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦] مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ فَقَالَ (بِالِاقْتِضَاءِ) أَيْ الطَّلَبِ وَهُوَ إمَّا طَلَبُ الْفِعْلِ جَازِمًا كَالْإِيجَابِ أَوْ غَيْرَ جَازِمٍ كَالنَّدْبِ وَإِمَّا طَلَبُ التَّرْكِ جَازِمًا كَالتَّحْرِيمِ أَوْ غَيْرَ جَازِمٍ كَالْكَرَاهَةِ (أَوْ التَّخْيِيرِ) أَيْ الْإِبَاحَةِ

ــ

[التلويح]

التَّقْدِيرِ الثَّانِي لَوْ كَانَ الْحُكْمُ الْمُصْطَلَحُ شَامِلًا لِلنَّظَرِيِّ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَجِيءُ.

قَوْلُهُ (أَيْ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ) قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ أَدِلَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَحْكَامِ وَحِينَئِذٍ لَا يَخْرُجُ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ بِالْأَحْكَامِ الْحَاصِلَةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ حَاصِلًا عَنْ الْأَدِلَّةِ فَدَفْعُ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ لَا بِالْأَحْكَامِ إذْ الْحَاصِلُ مِنْ الدَّلِيلِ هُوَ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ لَا الشَّيْءُ نَفْسُهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِالْحُكْمِ الْخِطَابُ فَهُوَ قَدِيمٌ لَا يَحْصُلُ مِنْ شَيْءٍ، وَمَعْنَى حُصُولِ الْعِلْمِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي الدَّلِيلِ فَيَعْلَمُ مِنْهُ الْحُكْمَ فَعِلْمُ الْمُقَلِّدِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَنِدِ إلَى عِلْمِهِ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلِ الْحُكْمِ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ وَقَيَّدَ الْأَدِلَّةَ بِالتَّفْصِيلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِوُجُوبِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي أَوْ بِعَدَمِ وُجُودِهِ لِوُجُودِ النَّافِي لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ.

قَوْلُهُ (وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُكَرَّرٌ) ذَهَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى أَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ عَنْ الْأَدِلَّةِ قَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ كَعِلْمِ جِبْرِيلَ وَالرَّسُولِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ أَوْ الِاسْتِنْبَاطِ كَعِلْمِ الْمُجْتَهِدِ وَالْأَوَّلُ لَا يُسَمَّى فِقْهًا اصْطِلَاحًا فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ قَيْدِ الِاسْتِدْلَالِ أَوْ الِاسْتِنْبَاطِ احْتِرَازًا عَنْهُ وَالْمُصَنِّفُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ عِلْمِ الْمُقَلِّدِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ مُكَرَّرٌ لِخُرُوجِهِ بِقَوْلِهِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ، فَإِنْ قِيلَ حُصُولُ الْعِلْمِ عَنْ الدَّلِيلِ مُشْعِرٌ بِالِاسْتِدْلَالِ، إذْ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ مَأْخُوذًا عَنْ الدَّلِيلِ فَيَخْرُجُ عِلْمُ جِبْرِيلَ وَالرَّسُولِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - أَيْضًا قُلْنَا لَوْ سَلَّمَ فَذَكَرَ الِاسْتِدْلَالَ لِلتَّصْرِيحِ بِمَا عَلِمَ الْتِزَامًا أَوْ لِدَفْعِ الْوَهْمِ أَوْ لِلْبَيَانِ دُونَ الِاحْتِرَازِ وَمِثْلُهُ شَائِعٌ فِي التَّعْرِيفَاتِ.

قَوْلُهُ (وَلَمَّا عَرَّفَ الْفِقْهَ) الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ خِطَابَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ تَعْرِيفٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ لَا لِلْحُكْمِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِ الْفِقْهِ وَالْمُصَنِّفُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لَهُ وَأَنَّ الشَّرْعِيَّ قَيْدٌ زَائِدٌ عَلَى خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ كَوْنَهُ تَعْرِيفًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إنَّمَا هُوَ رَأْيُ بَعْضِ الْأَشَاعِرَةِ كُلُّ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَفُّحِهِ كُتُبَهُمْ فَنَقُولُ عَرَّفَ بَعْضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>