لَا مُشَاحَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ مَوْضُوعَ الْهَيْئَةِ هِيَ أَجْسَامُ الْعَالَمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا شَكْلُ وَمَوْضُوعُ عِلْمِ السَّمَاءِ وَالْعَالَمُ مِنْ الطَّبِيعِيِّ أَجْسَامُ الْعَالَمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا طَبِيعِيَّةٌ قَوْلٌ بِأَنَّ مَوْضُوعَهُمَا وَاحِدٌ لَكِنَّ اخْتِلَافَهُمَا بِاخْتِلَافِ الْمَحْمُولِ؛ لِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ فِيهِمَا بَيَانُ الْمَبْحُوثِ عَنْهُ لَا أَنَّهَا جُزْءُ الْمَوْضُوعِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُبْحَثَ فِيهِمَا عَنْ هَاتَيْنِ الْحَيْثِيَّتَيْنِ، بَلْ عَمَّا يَلْحَقُهُمَا لِهَاتَيْنِ الْحَيْثِيَّتَيْنِ وَالْوَاقِعُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَمُ
(فَنَضَعُ الْكِتَابَ عَلَى قِسْمَيْنِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْقُرْآنِ، وَهُوَ مَا نُقِلَ إلَيْنَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمَصَاحِفِ تَوَاتُرًا) فَخَرَجَ سَائِرُ الْكُتُبِ وَالْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ وَالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ، وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ دَوْرِيٌّ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَ الْقُرْآنَ بِمَا نُقِلَ فِي الْمُصْحَفِ، فَإِنْ سُئِلَ مَا الْمُصْحَفُ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُقَالَ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ فَأَجَبْت عَنْ هَذَا بِقَوْلِي (وَلَا دَوْرَ؛ لِأَنَّ الْمُصْحَفَ مَعْلُومٌ) أَيْ فِي الْعُرْفِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ
ــ
[التلويح]
وَالْإِرَادَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا مُخْتَصًّا بِمَا يَكُونُ الْغَيْرُ مُنْفَصِلًا وَمَا سَبَقَ مُخْتَصًّا بِمَا يَكُونُ غَيْرَ مُنْفَصِلٍ فَيَتِمُّ بِمَجْمُوعِهِمَا الْمَطْلُوبُ أَعْنِي إثْبَاتَ عَرَضٍ ذَاتِيٍّ آخَرَ
[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْكِتَابِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ]
[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْقُرْآنِ]
قَوْلُهُ (فَنَضَعُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَبْحَثُ عَنْ كَذَا وَكَذَا يَعْنِي بِسَبَبِ أَنَّ الْبَحْثَ فِي هَذَا الْفَنِّ إنَّمَا هُوَ عَنْ أَحْوَالِ الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ نَضَعُ الْكِتَابَ أَيْ مَقَاصِدَهُ عَلَى قِسْمَيْنِ وَإِلَّا فَبَحْثُ التَّعْرِيفِ وَالْمَوْضُوعِ أَيْضًا مِنْ الْكِتَابِ مَعَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْقِسْمَيْنِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي الْمَقَاصِدِ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مُرَتَّبٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ فِي الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْكِتَابُ، ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ الْإِجْمَاعُ ثُمَّ الْقِيَاسُ تَقْدِيمًا لِلْإِقْدَامِ بِالذَّاتِ وَالشَّرَفِ.
وَأَمَّا بَابَا التَّرْجِيحِ وَالِاجْتِهَادِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُمَا تَتِمَّةً وَتَذْيِيلًا لِرُكْنِ الْقِيَاسِ.
قَوْلُهُ (الرُّكْنُ الْأَوَّلُ فِي الْكِتَابِ) ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْمَكْتُوبِ غَلَبَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُثْبَتُ فِي الْمَصَاحِفِ كَمَا غَلَبَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى كِتَابِ سِيبَوَيْهِ وَالْقُرْآنُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ غَلَبَ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ عَلَى الْمَجْمُوعِ الْمُعَيَّنِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَقْرُوءِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَشْهَرُ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ وَأَظْهَرُ فَلِهَذَا جُعِلَ تَفْسِيرًا لَهُ حَيْثُ قِيلَ الْكِتَابُ هُوَ الْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ عَلَى الرَّسُولِ الْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ الْمَنْقُولُ إلَيْنَا نَقْلًا مُتَوَاتِرًا بِلَا شُبْهَةٍ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْكِتَابِ وَبَاقِي الْكَلَامِ تَعْرِيفٌ لِلْقُرْآنِ وَتَمْيِيزٌ لَهُ عَمَّا يَشْتَبِهُ بِهِ لَا أَنَّ الْمَجْمُوعَ تَعْرِيفٌ لِلْكِتَابِ لِيَلْزَمَ ذِكْرُ الْمَحْدُودِ فِي الْحَدِّ وَلَا أَنَّ الْقُرْآنَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَقْرُوءِ لِيَشْمَلَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرَهُ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْعُرْفِ بَعِيدٌ عَنْ الْفَهْمِ، إنْ كَانَ صَحِيحًا فِي اللُّغَةِ وَالْمَشَايِخِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يُنَاقِشُونَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِحَمْلِ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ مَعَ ظُهُورِ الْوَجْهِ الصَّحِيحِ الْمَقْبُولِ عِنْدَ الْكُلِّ فَلِإِزَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute