وَغَيْرِهِمَا أَوْ بَاشَرَ سَبَبَ الْحَدِّ يَلْزَمُهُ لَكِنْ إنَّمَا يُحَدُّ إذَا صَحَا وَحَدُّهُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ أَيْ: حَدُّ السُّكْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَالَةُ الْمُمَيِّزَةُ بَيْنَ السُّكْرِ، وَالصَّحْوِ (وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ لَا يَعْرِفَ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ لِوُجُوبِ الْحَدِّ فَقَطْ) .
(وَمِنْهَا الْهَزْلُ وَهُوَ أَنْ لَا يُرَادَ بِاللَّفْظِ مَعْنَاهُ لَا الْحَقِيقِيُّ وَلَا الْمَجَازِيُّ، وَهُوَ ضِدُّ الْجِدِّ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَشَرْطُهُ أَنْ يُشْتَرَطَ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ دَلَالَتُهُ) أَيْ: دَلَالَةُ الْهَزْلِ أَيْ: شَرْطُ الْهَزْلِ أَنْ تَجْرِيَ الْمُوَاضَعَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ بِأَنْ يُقَالَ: نَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِلَفْظِ الْعَقْدِ هَازِلًا (وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ: كَوْنُ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمُوَاضَعَةُ (فِي نَفْسِ الْعَقْدِ) بَلْ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْمُوَاضَعَةُ سَابِقَةً عَلَى الْعَقْدِ (وَهُوَ) أَيْ: الْهَزْلُ (لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ أَصْلًا وَلَا اخْتِيَارَ الْمُبَاشَرَةِ وَالرِّضَى بِهَا بَلْ اخْتِيَارَ الْحُكْمِ، وَالرِّضَى بِهِ فَوَجَبَ النَّظَرُ بِالتَّصَرُّفَاتِ كَيْفَ تَنْقَسِمُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الِاخْتِيَارِ، وَالرِّضَى (وَهِيَ إمَّا مِنْ الْإِنْشَاءَاتِ أَوْ الْإِخْبَارَاتِ أَوْ الِاعْتِقَادَاتِ: أَمَّا الْإِنْشَاءَاتُ فَإِمَّا أَنْ تَحْتَمِلَ النَّقْضَ أَوْ لَا، فَمَا يَحْتَمِلُهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ) أَيْ: تَجْرِيَ الْمُوَاضَعَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ بِأَنَّا نَتَكَلَّمُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ عِنْدَ النَّاسِ وَلَا نُرِيدُ الْبَيْعَ (فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ) أَيْ: فَالْأَبْعَدُ الْبَيْعُ إنَّا قَدْ أَعْرَضْنَا وَقْتَ الْبَيْعِ عَنْ الْهَزْلِ وَبِعْنَا بِطَرِيقِ الْجِدِّ (صَحَّ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الْهَزْلُ لِإِعْرَاضِهِمَا وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ صَارَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لَهُمَا مُؤَبَّدًا) أَيْ: لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ
ــ
[التلويح]
فَيَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ أَيْضًا اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ حَتَّى لَا يَرْتَدَّ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ
[الْهَزْلُ]
. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْهَزْلُ) فَسَّرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِاللَّعِبِ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَفْظٌ فَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْمَجَازَ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَضْعِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى، وَمِنْ وَضْعِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَحْكَامِهَا، وَأَرَادَ بِوَضْعِ اللَّفْظِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ كَوَضْعِ الْأَلْفَاظِ لِمَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ النَّوْعِيِّ كَوَضْعِهَا لِمَعَانِيهَا الْمَجَازِيَّةِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا يُقَالُ: إنَّ الْوَضْعَ أَعَمُّ مِنْ الْعَقْلِيِّ، وَالشَّرْعِيِّ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لِمَعَانِيهَا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَأَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةَ لِأَحْكَامِهَا وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْضَحَ الْمَقْصُودَ فَفَسَّرَ الْهَزْلَ بِعَدَمِ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَالْمَجَازِيِّ بِاللَّفْظِ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفَاتُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا صِيَغٌ، وَأَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ لِأَحْكَامٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَيَلْزَمُ مَعَانِيهَا بِحَسَبِ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) يَعْنِي: لَا يَجِبُ أَنْ تَجْرِيَ الْمُوَاضَعَةُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ لُزُومَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لِدَفْعِ الْغَبْنِ، وَمَنْعِ الْحُكْمِ عَنْ الثُّبُوتِ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْعَقْدِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا اخْتِيَارَ الْمُبَاشَرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute