نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُنِعَ الثَّلَاثَةَ وَيُشْتَرَطُ مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَنْعٌ) أَيْ: نِيَّةُ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ نَوَاهَا بَعْدُ لِلسَّفَرِ (وَهَذَا رَفْعٌ) أَيْ: نِيَّةُ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَفْعٌ لِلسَّفَرِ، وَالْمَنْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ (وَسَفَرُ الْمَعْصِيَةِ يُوجِبُ الرُّخْصَةَ وَقَدْ مَرَّ) أَيْ: فِي فَصْلِ النَّهْيِ (عَلَى أَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ فَإِنَّ الْبَغْيَ وَقَطْعَ الطَّرِيقِ، وَالتَّمَرُّدَ مَعْصِيَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمِصْرِ وَالرَّجُلُ قَدْ يَخْرُجُ غَازِيًا ثُمَّ يَسْتَقْبِلُهُ غَيْرُهُ، فَيَقْطَعُ عَلَيْهِمْ فَصَارَ النَّهْيُ عَنْ هَذَا السَّفَرِ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ عِصْيَانٌ بِعَيْنِهِ) فَلَا يَثْبُتُ بِالسُّكْرِ الْحَرَامِ الرُّخَصُ الْمَنُوطَةُ بِزَوَالِ الْعَقْلِ (قَوْله تَعَالَى {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] أَيْ: فَأَكَلَ غَيْرَ طَالِبٍ وَلَا مُتَجَاوِزٍ حَدَّ سَدِّ الرَّمَقِ) قَدْ تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ
ــ
[التلويح]
الْآيَةِ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلٍ أَيْ: فَمَنْ اُضْطُرَّ، فَأَكَلَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْحَالِ أَيْ: فَأَكَلَ حَالَ كَوْنِهِ غَيْرَ بَاغٍ، وَلَا عَادٍ، فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْبَغْيُ، وَالْعَدَاءُ فِي الْأَكْلِ الَّذِي سِيقَتْ الْآيَةُ لِبَيَانِ حُرْمَتِهِ، وَحِلِّهِ أَيْ: غَيْرُ مُتَجَاوِزٍ فِي الْأَكْلِ قَدْرَ الْحَاجَةِ عَلَى أَنَّ عَادٍ مُكَرَّرٌ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ: غَيْرَ طَالِبٍ لِلْمُحَرَّمِ، وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ، وَلَا مُتَجَاوِزٌ قَدْرَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ، وَيَدْفَعُ الْهَلَاكَ أَوْ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ، وَلَا مُتَزَوِّدٍ أَوْ غَيْرَ بَاغٍ عَلَى مُضْطَرٍّ آخَرَ، وَلَا مُتَجَاوِزٍ سَدَّ الْجَوْعَةِ
[الْخَطَأُ]
. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْخَطَأُ، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَهُ قَصْدًا تَامًّا) ، وَذَلِكَ أَنَّ تَمَامَ قَصْدِ الْفِعْلِ بِقَصْدِ مَحَلِّهِ، وَفِي الْخَطَأِ يُوجَدُ قَصْدُ الْفِعْلِ دُونَ قَصْدِ الْمَحَلِّ، وَهَذَا مُرَادُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ فِعْلٌ يَصْدُرُ بِلَا قَصْدٍ إلَيْهِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ أَمْرٍ مَقْصُودٍ سَوَاءٌ، وَيَجُوزُ الْمُؤَاخَذَةُ بِالْخَطَأِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يَكُنْ لِلدُّعَاءِ فَائِدَةٌ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْجِنَايَةِ، وَهِيَ بِالْقَصْدِ، وَالْجَوَابِ أَنَّ تَرْكَ التَّثَبُّتِ مِنْهُ جِنَايَةٌ، وَقَصَدَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ جَعْلَ الْخَطَأِ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ.
(قَوْلُهُ: وَيَصْلُحُ) مُخَفَّفًا أَيْ: سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ فِيمَا هُوَ صِلَةٌ وَاجِبَةٌ بِالْفِعْلِ دُونَ الْمَحَلِّ كَالدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّهَا صِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَابَلْ بِمَالٍ كَالضَّمَانِ، وَوَجَبَتْ عَلَى الْفِعْلِ دُونَ الْمَحَلِّ فَوَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِبَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ تَخْفِيفًا عَلَى الْخَاطِئِ، وَقَدْ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَحْثِ الْإِكْرَاهِ: بِأَنَّ الدِّيَةَ ضَمَانُ الْمُتْلَفِ، وَالْكَفَّارَةُ جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ الدِّيَةَ جَزَاءُ الْمَحَلِّ دُونَ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَّحِدُ بِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي بَحْثِ الصَّبِيِّ، وَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَاهُنَا أَنَّ الْخَطَأَ لَمَّا كَانَ عُذْرًا صَلُحَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِالْفِعْلِ فِيمَا هُوَ صِلَةٌ لَا تُقَابِلُ مَالًا. (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَنْفَكُّ) أَيْ: الْخَطَأُ عَنْ ضَرْبِ تَقْصِيرٍ، وَهُوَ تَرْكُ التَّثَبُّتِ، وَالِاحْتِيَاطِ فَهُوَ بِأَصْلِ الْفِعْلِ مُبَاحٌ، وَبِتَرْكِ التَّثَبُّتِ مَحْظُورٌ، فَيَكُونُ جِنَايَةً قَاصِرَةً يَصْلُحُ سَبَبًا لِجَزَاءٍ قَاصِرٍ.
(قَوْلُهُ: وَيَقَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute