الْآيَةِ لَا يَتِمُّ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالسُّجُودِ الِانْقِيَادُ فِي الْجَمِيعِ، وَمَا ذَكَرَ أَنَّ الِانْقِيَادَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا سِيَّمَا الْمُتَكَبِّرِينَ مِنْهُمْ لَا يَمَسُّهُمْ الِانْقِيَادُ أَصْلًا، وَأَيْضًا لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِالسُّجُودِ، وَضْعُ الرَّأْسِ عَلَى الْأَرْضِ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَتِهِ مِنْ الْجَمَادَاتِ إلَّا مَنْ يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَةِ التَّسْبِيحِ مِنْ الْجَمَادَاتِ، وَالشَّهَادَةِ مِنْ الْجَوَارِحِ، وَالْأَعْضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَنَّ مُحْكَمَ الْكِتَابِ نَاطِقٌ بِهَذَا، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمِعَ تَسْبِيحَ الْحَصَا وقَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤] يُحَقِّقُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ حَقِيقَةُ التَّسْبِيحِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى، وَحْدَانِيِّتِهِ تَعَالَى فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {لا تَفْقَهُونَ} [الإسراء: ٤٤] لَا يَلِيقُ بِهَذَا فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ وَضْعَ الرَّأْسِ خُضُوعًا لِلَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنْ الْجَمَادَاتِ بَلْ هُوَ كَائِنٌ لَا يُنْكِرُهُ إلَّا مُنْكِرٌ خَوَارِقَ الْعَادَاتِ.
(التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ) يَشْمَلُ الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ، وَالشَّرْعِيَّ، وَالْعُرْفِيَّ، وَالِاصْطِلَاحِيَّ.
(فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ) أَيْ بِالْحَيْثِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ الْوَضْعُ بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ فَالْمَنْقُولُ الشَّرْعِيُّ يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ، وَفِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَإِنَّمَا قَالَ فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يُطْلِقُونَ الْحَقِيقَةَ، وَالْمَجَازَ عَلَى الْمَعْنَى إمَّا مَجَازًا، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ خَطَأِ الْعَوَامّ.
(وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا فَمَجَازٌ) أَيْ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ بِحَيْثِيَّةٍ مَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ أَوْ نَحْوُهَا فَمَجَازٌ بِالْحَيْثِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ فَالْمَنْقُولُ الشَّرْعِيُّ مَجَازٌ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ، وَفِي الْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ لَكِنْ مِنْ جِهَتَيْنِ.
(أَوَّلًا الْعَلَاقَةُ فَمُرْتَجَلٌ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ أَيْضًا لِلْوَضْعِ الْجَدِيدِ) فَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لَا لِعَلَاقَةٍ يَكُونُ، وَضْعًا جَدِيدًا فَالْمُرْتَجَلُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي بِسَبَبِ
ــ
[التلويح]
بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ، وَالِاسْتِدْلَالِ الصَّادِقِ بَلْ الْأَنْسَبُ لِحَقِيقَةِ التَّسْبِيحِ لَا تَسْمَعُونَ
[التَّقْسِيمُ الثَّانِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى]
(قَوْلُهُ: التَّقْسِيمُ الثَّانِي) مِنْ التَّقْسِيمَاتِ الْأَرْبَعَةِ هُوَ تَقْسِيمُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى فَاللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا جَارِيًا عَلَى الْقَانُونِ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَحَقِيقَةٌ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَمَجَازٌ، وَإِلَّا فَمُرْتَجَلٌ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ قِسْمِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الصَّحِيحَ فِي الْغَيْرِ بِلَا عَلَاقَةٍ وَضْعٌ جَدِيدٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ قِسْمِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ نَظَرًا إلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ فَإِنْ قِيلَ فَالْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْمَجَازِ، وَالْمُرْتَجَلِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مَنْقُولًا قُلْنَا نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَقِيقَةً مِنْ جِهَةٍ مَجَازًا مِنْ جِهَةٍ لِوُجُودِ الْعَلَاقَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى زِيَادَةِ تَفْصِيلِ وَبَيَانِ آخِرِ حُكْمِهِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِعْمَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute