تَعَالَى
(وَأُصُولُ الْفِقْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ ذَا فَرْعًا لِلثَّلَاثَةِ) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْفِقْهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْفِقْهُ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَقَالَ هُوَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ؛ فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ أُصُولٌ مُطْلَقَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُثْبِتٌ لِلْحُكْمِ أَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ وَفَرْعٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ (إذْ الْعِلَّةُ) فِيهِ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ مَوَارِدِهَا فَيَكُونُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْقِيَاسِ ثَابِتًا بِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ وَأَيْضًا هُوَ لَيْسَ بِمُثْبِتٍ، بَلْ هُوَ مُظْهِرٌ.
أَمَّا نَظِيرُ الْقِيَاسُ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْ الْكِتَابِ فَكَقِيَاسَ حُرْمَةِ اللَّوْطَةِ عَلَى حُرْمَةِ الْوَطْءِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢] وَالْعِلَّةُ هِيَ الْأَذَى وَأَمَّا الْمُسْتَنْبَطُ مِنْ السُّنَّةِ فَكَقِيَاسِ حُرْمَةِ قَفِيزٍ مِنْ الْجُصِّ بِقَفِيزَيْنِ عَلَى حُرْمَةِ قَفِيزٍ مِنْ الْحِنْطَةِ بِقَفِيزَيْنِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» وَأَمَّا الْمُسْتَنْبَطُ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَأَوْرَدُوا لِنَظِيرِهِ قِيَاسَ الْوَطْءِ الْحَرَامِ عَلَى الْحَلَالِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ يَعْنِي قِيَاسَ حُرْمَةِ وَطْءِ أُمِّ الْمُزَنِيَّةِ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ أُمِّ أَمَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا وَالْحُرْمَةُ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ
ــ
[التلويح]
حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ الْعَمَلُ قَطْعًا بِمَنْ يُظَنُّ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ فَقَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ عَيْنُ النِّزَاعِ، وَإِنْ بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَظْنُونُ الْمُجْتَهِدِ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا كَمَا هُوَ رَأْيُ الْبَعْضِ يَكُونُ ذِكْرُ وُجُوبِ الْعَمَلِ ضَائِعًا لَا مَعْنَى لَهُ أَصْلًا
[تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَقَبٌ]
قَوْلُهُ (وَأُصُولُ الْفِقْهِ) مَا سَبَقَ كَانَ بَيَانَ مَفْهُومِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهَذَا بَيَانُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الْمَفْهُومُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمُنْحَصِرَةِ بِحُكْمِ الِاسْتِقْرَاءِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَوَجْهُ ضَبْطِهِ أَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ إمَّا وَحَيٌّ أَوْ غَيْرُهُ وَالْوَحْيُ إنْ كَانَ مَتْلُوًّا فَالْكِتَابُ وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ وَغَيْرُ الْوَحْيِ إنْ كَانَ قَوْلَ كُلِّ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ فَالْإِجْمَاعُ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَوْ أَنَّ الدَّلِيلَ إمَّا أَنْ يَصِلَ مِنْ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ إنْ تَعَلَّقَ بِنَظْمِهِ الْإِعْجَازُ فَالْكِتَابُ وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ وَالثَّانِي إنْ اشْتَرَطَ عِصْمَةَ مَنْ صَدَرَ عَنْهُ فَالْإِجْمَاعُ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ.
وَأَمَّا شَرَائِعُ مَنْ قَبْلَنَا وَالتَّعَامُلُ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَرَاجِعَةٌ إلَى الْأَرْبَعَةِ وَكَذَا الْمَعْقُولُ نَوْعُ اسْتِدْلَالٍ بِأَحَدِهَا وَإِلَّا فَلَا دَخْلَ لِلرَّأْيِ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ وَمَا جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ نَوْعًا خَامِسًا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَسَمَّاهُ الِاسْتِدْلَالَ فَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى التَّمَسُّكِ بِمَعْقُولِ النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ، ثُمَّ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ أُصُولٌ مُطْلَقَةٌ لِكَوْنِهَا أَدِلَّةً مُسْتَقِلَّةً مُثْبِتَةً لِلْأَحْكَامِ وَالْقِيَاسُ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ لِاسْتِنَادِ الْحُكْمِ إلَيْهِ ظَاهِرًا دُونَ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ فَرْعًا لِلثَّلَاثَةِ لِابْتِنَائِهِ عَلَى عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ مَوَارِدِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَالْحُكْمُ بِالتَّحْقِيقِ مُسْتَنِدٌ إلَيْهَا وَأَثَرُ الْقِيَاسِ فِي إظْهَارِ الْحُكْمِ وَتَغْيِيرِ وَصْفِهِ مِنْ الْخُصُوصِ إلَى الْعُمُومِ وَمِنْ هُنَا يُقَالُ أُصُولُ الْفِقْهِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ الْقِيَاسُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ وَاعْتُرِضَ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْأَصْلِ الْمُطْلَقِ إلَّا مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فَرْعًا لِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِهَذَا صَحَّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ فَرْعًا الثَّانِي أَنَّ السَّبَبَ الْقَرِيبَ لِلشَّيْءِ مَعَ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute