للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشَرَائِطِهِ وَمَا قِيلَ: إنَّ الْفِقْهَ ظَنِّيٌّ فَلِمَ أَطْلَقَ الْعِلْمَ عَلَيْهِ فَجَوَابُهُ أَوَّلًا أَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ فَإِنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا فِقْهٌ وَهِيَ مَا قَدْ ظَهَرَ نُزُولُ الْوَحْيِ بِهِ وَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ قَطْعِيَّةٌ. وَثَانِيًا: أَنَّ الْعِلْمَ يُطْلَقُ عَلَى الظَّنِّيَّاتِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْقَطْعِيَّاتِ كَالطِّبِّ وَنَحْوِهِ، وَثَالِثًا أَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا اعْتَبَرَ غَلَبَةَ الظَّنِّ فِي الْأَحْكَامِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ كُلَّمَا غَلَبَ ظَنُّ الْمُجْتَهِدِ بِالْحُكْمِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَكُلَّمَا وُجِدَ غَلَبَةُ ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ مَقْطُوعًا بِهِ فَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ يَكُونُ صَحِيحًا، وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ فَيُرَادُ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا غَلَبَ ظَنُّ الْمُجْتَهِدِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَوْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي عِلْمِ اللَّهِ

ــ

[التلويح]

شَائِعًا ظَاهِرًا عَلَى الْأَكْثَرِ فَيَصِيرُ فِقْهًا وَبِالْجُمْلَةِ هَذَا التَّعْرِيفُ لَا يَخْلُو عَنْ الْإِشْكَالِ وَالِاخْتِلَالِ.

قَوْلُهُ (فَجَوَابُهُ أَوَّلًا) مُشْعِرٌ بِأَنَّ مَا أَظْهَرَ الْقِيَاسُ نُزُولَ الْوَحْيِ بِهِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْفِقْهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ ظَنِّيٌّ، ثُمَّ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ أَوْ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا إنَّمَا يَكُونُ قَطْعِيًّا إذَا كَانَ ثُبُوتُهُمَا أَيْضًا قَطْعِيًّا الْقَطْعُ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ الثَّابِتَةَ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ ظَنِّيَّةٌ.

قَوْلُهُ (وَثَالِثًا) هُوَ الَّذِي ذَكَرَ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْحُكْمَ مَقْطُوعٌ وَالظَّنُّ فِي طَرِيقِهِ وَتَقْرِيرِهِ أَنَّهُ لَمَّا دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ وَكَثُرَتْ أَخْبَارُ الْآحَادِ فِي ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ مُتَوَاتِرَةَ الْمَعْنَى، وَهَذَا مَعْنَى اعْتِبَارِ الشَّارِعِ غَلَبَةَ الظَّنِّ فِي الْأَحْكَامِ صَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ نَصٍّ قَطْعِيٍّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ فَهُوَ ثَابِتٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ فَيَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ الْمَظْنُونِ قَطْعِيًّا فَيَصِحُّ إطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى إدْرَاكِهِ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ، فَإِنْ قِيلَ الْمَظْنُونُ مَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ وَالْمَعْلُومُ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ فَيَتَنَافَيَانِ قُلْنَا يَكُونُ مَظْنُونًا فَيَصِيرُ مَعْلُومًا بِمُلَاحَظَةِ هَذَا الْقِيَاسِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ كَوْنُهُ مَظْنُونًا لِلْمُجْتَهِدِ وَكُلُّ مَا عُلِمَ كَوْنُهُ مَظْنُونًا لِلْمُجْتَهِدِ عَلَى كَوْنِهِ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَطْعًا بِنَاءً عَلَى تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ.

وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ فَكَأَنَّهُ ثَبَتَ نَصٌّ قَطْعِيٌّ عَلَى أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ فَهُوَ وَاجِبُ الْعَمَلِ أَوْ ثَابِتٌ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ أَوْ ثُبُوتُهُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ قَطْعِيًّا لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْفِقْهُ عِبَارَةً عَنْ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْأَحْكَامِ وَعَلَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الثَّابِتُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ فِي الْوَاقِعِ قَطْعِيًّا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الثَّابِتَ الْقَطْعِيَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ عَدَمَ الثُّبُوتِ فِي الْوَاقِعِ وَغَايَةُ مَا أَمْكَنَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَظْنُونَ لِلْمُجْتَهِدِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا لِلدَّلِيلِ الْقَاطِعِ وَكُلُّ حُكْمٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ حُكْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ وَكُلُّ مَا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَعْلُومٌ قَطْعًا فَكُلُّ مَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مَعْلُومٌ قَطْعًا فَالْحُكْمُ الْمَظْنُونُ لِلْمُجْتَهِدِ مَعْلُومٌ قَطْعًا فَالْفِقْهُ عِلْمٌ قَطْعِيٌّ وَالظَّنُّ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَحَلُّهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>