للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي أَيْ: الْأَهْلُ قَرَابَةً يَتَنَاوَلُ الِابْنَ لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ الِابْنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هود: ٤٠] فَخَرَجَ الِابْنُ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا بِالتَّخْصِيصِ الْمُتَرَاخِي لِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: ٤٦] أَيْ: مِنْ الْأَهْلِ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، وَالْمُرَادُ بِسَبْقِ الْقَوْلِ مَا وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِهْلَاكِ الْكُفَّارِ.

(وقَوْله تَعَالَى {وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء: ٩٨] لَمْ يَتَنَاوَلْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَقِيقَةً) ؛ لِأَنَّ مَا لِغَيْرِ الْعُقَلَاءِ (وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ تَعَنُّتًا بِالْمَجَازِ أَوْ التَّغْلِيبِ فَقَالَ {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ} [الأنبياء: ١٠١] لِدَفْعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَأَصْحَابُنَا قَالُوا كُلُّ مَا هُوَ تَفْسِيرٌ يَصِحُّ مُتَرَاخِيًا اتِّفَاقًا، وَمَا هُوَ تَغْيِيرٌ لَا يَصِحُّ إلَّا مَوْصُولًا اتِّفَاقًا كَالِاسْتِثْنَاءِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي التَّخْصِيصِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عِنْدَنَا بَيَانُ تَغْيِيرٍ، وَعِنْدَهُ بَيَانُ تَفْسِيرٍ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْعَامَّ عِنْدَهُ دَلِيلٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، فَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ فَبَيَانُ إرَادَةِ الْبَعْضِ يَكُونُ تَفْسِيرًا فَيَصِحُّ مُتَرَاخِيًا كَبَيَانِ الْمُجْمَلِ وَعِنْدَنَا قَطْعِيٌّ فِي الْكُلِّ فَيَكُونُ التَّخْصِيصُ تَغْيِيرَ مُوجَبِهِ) .

أَقُولُ لَا فَرْقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامَّ مُحْتَمِلٌ عِنْدَهُ فَعَلَى هَذَا كِلَاهُمَا يَكُونَانِ تَفْسِيرًا عِنْدَهُ لَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ وَالتَّخْصِيصَ مُسْتَقِلٌّ فَيَجُوزُ فِيهِ التَّرَاخِي وَعِنْدَنَا كِلَاهُمَا تَغْيِيرٌ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا مَوْصُولًا.

(فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ) ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الثَّنْيِ يُقَالُ: ثَنَى عَنَانَ

ــ

[التلويح]

لَكِنْ لَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ الْبَعْضِ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّخْصِيصِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بَيَانٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْبَعْضُ

[فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ]

(قَوْلُهُ: فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ) قَدْ اُشْتُهِرَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِثْنَاءِ صِيَغُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَأَمَّا لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ فَحَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ فِي الْقِسْمَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَسَّمَ أَوَّلًا إلَى الْقِسْمَيْنِ ثُمَّ يُعَرَّفَ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَهَبَ إلَى أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ أَقْسَامِ الِاسْتِثْنَاءِ ثُمَّ الْمُتَعَارَفُ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ الْإِخْرَاجُ مِنْ مُتَعَدِّدٍ بِإِلَّا، وَأَخَوَاتِهَا، وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ ذَلِكَ إلَى الْمَنْعِ عَنْ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْحُكْمِ فَالْبَعْضُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ، وَإِنْ أُرِيدَ الْإِخْرَاجُ عَنْ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ إيَّاهُ وَانْفِهَامِهِ مِنْ اللَّفْظِ، فَلَا إخْرَاجَ؛ لِأَنَّ التَّنَاوُلَ بَاقٍ بَعْدُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْإِخْرَاجِ الْمَنْعُ عَنْ الدُّخُولِ فَهُوَ مَجَازٌ يَجِبُ صِيَانَةُ الْحُدُودِ عَنْهُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَعْرِيفَاتِ الْأَدَاءِ مَشْحُونَةٌ بِالْمَجَازِ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ، وَالْخُرُوجَ هَاهُنَا مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الْحَرَكَةُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ، وَالْمَخْرُوجُ بِالْعَكْسِ.

(قَوْلُهُ: بِإِلَّا، وَأَخَوَاتِهَا) احْتِرَازٌ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ التَّخْصِيصِ أَعَنَى الشَّرْطَ، وَالصِّفَةَ، وَالْغَايَةَ وَبَدَلَ الْبَعْضِ، وَالتَّخْصِيصَ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَإِطْلَاقَ التَّخْصِيصِ عَلَى الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارَاتِهَا قَصْرٌ لِلْعُمُومِ وَنَقْضٌ لِلشُّيُوعِ عَلَى مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ يَدْخُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>