أَنْ يَثْبُتَ التَّكْرَارُ عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ لَا عِنْدَنَا وقَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] لَا يُرَادُ بِهِ كُلُّ الْأَفْرَادِ إجْمَاعًا فَيُرَادُ الْوَاحِدُ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى الْيَسَارِ) .
(فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ: أَدَاءٌ) أَيْ تَسَلُّمُ عَيْنِ الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ (، وَقَضَاءٌ) أَيْ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ، وَقُلْنَا فِي الْأَوَّلِ الثَّابِتُ بِهِ لِيَشْمَلَ النَّفَلَ.
ــ
[التلويح]
أَدَوَاتِ الْعُمُومِ، وَالِاسْتِغْرَاقِ يَكُونُ بِمَعْنَى كُلِّ فَرْدٍ لَا بِمَعْنَى مَجْمُوعِ الْأَفْرَادِ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّهُ أَيْضًا وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ إذْ لَا نَعْنِي بِاحْتِمَالِ الْأَمْرِ لِلْعُمُومِ، وَالتَّكْرَارِ سِوَى أَنَّهُ يُرَادُ إيقَاعُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ وقَوْله تَعَالَى فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) قَدْ فَرَّعُوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ مَسْأَلَةَ عَدَمِ قَطْعِ يَسَارِ السَّارِقِ فِي الْكَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَكَلَامُ الْقَوْمِ صَرِيحٌ فِي ابْتِنَائِهَا عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْمُ الْفَاعِلِ، وَهُوَ السَّارِقُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ أَنَّ كُلَّ اسْمِ فَاعِلٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ لُغَةً مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] لَمْ يَحْتَمِلْ الْعَدَدَ أَيْ كُلُّ اسْمِ فَاعِلٍ دَلَّ عَلَى مَصْدَرِهِ لَمْ يَحْتَمِلْ مَصْدَرُهُ الْعَدَدَ فَاللَّامُ فِي الْمَصْدَرِ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَضَمِيرٌ لَمْ يُحْتَمَلُ لِمَصْدَرِهِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الرَّبْطُ فَيَصِحُّ الْكَلَامُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْمُ الْفَاعِلِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَمَعْنَى السَّارِقُ الَّذِي سَرَقَ سَرِقَةً وَاحِدَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْوَاحِدُ الِاعْتِبَارِيُّ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ السَّرِقَاتِ، وَإِلَّا لَتَوَقَّفَ قَطْعُ السَّارِقِ عَلَى آخِرِ الْحَيَاةِ إذْ لَا يُعْلَمُ تَحَقُّقُ جَمِيعِ سَرِقَاتِهِ إلَّا حِينَئِذٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْوَاجِبُ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ قَطْعُ يَدٍ وَاحِدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ فَالْمَعْنَى الَّذِي سَرَقَ، وَاَلَّتِي سَرَقَتْ سَرِقَةً وَاحِدَةً يُقْطَعُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْيُمْنَى بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ، وَالسُّنَّةِ قَوْلًا، وَفِعْلًا، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْمَانَهُمَا فَلَا يَكُونُ قَطْعُ الْيُسْرَى مُرَادًا أَصْلًا، وَلَا يُمْكِنُ تَكَرُّرِ الْحُكْمِ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَهُوَ الْيَمِينُ بِخِلَافِ تَكَرُّرِ الْجَلْدِ بِتَكَرُّرِ الزِّنَا فَإِنَّ الْمَحَلَّ بَاقٍ، وَهُوَ الْبَدَنُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ظَاهِرٌ فِي ابْتِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَصْدَرِ الْأَمْرِ أَعْنِي اقْطَعُوا فَإِنَّ الْوَاحِدَ الْحَقِيقِيَّ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَقَطْعُ الْيَمِينِ مُرَادٌ إجْمَاعًا فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى قَطْعِ الْيَسَارِ، وَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ تَقْرِيرِ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ كَالسَّارِقِ مَثَلًا عَامٌّ، وَعُمُومُهُ يَقْتَضِي عُمُومَ الْمَصْدَرِ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ قِيَامِ الْوَاحِدِ الْحَقِيقِيِّ بِالْمَجْمُوعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَحْدَةِ وَحْدَةُ الْمَصْدَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ السَّارِقِ مَثَلًا.
[فَصْلٌ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ نَوْعَانِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ]
(قَوْلُهُ فَصْلٌ) لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ إطْلَاقَ الْأَدَاءِ، وَالْقَضَاءِ بِحَسَبِ اللُّغَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْمُؤَقَّتَاتِ، وَغَيْرِهَا مِثْلُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْأَمَانَةِ، وَقَضَاءِ الْحُقُوقِ، وَقَضَاءِ الْحَجِّ، وَالْإِتْيَانِ ثَانِيًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute