. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[التلويح]
بَعْدَ فَسَادِ الْأَوَّلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا بِحَسَبِ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَعِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَخْتَصَّانِ بِالْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْأَدَاءُ إلَّا فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَضَاءُ فَلِهَذَا قَالُوا: الْأَدَاءُ مَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا أَوَّلًا، وَالْقَضَاءُ مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ لَهُ مِنْ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُمْ مُطْلَقًا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ قَضَاءُ النَّائِمِ، وَالْحَائِضِ إذْ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنْ وُجِدَ السَّبَبُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ كَيْفَ، وَجَوَازُ التَّرْكِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَالْإِعَادَةُ مَا فُعِلَ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ ثَانِيًا لِخَلَلٍ فِي الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: لِعُذْرٍ فَالصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا تَكُونُ إعَادَةً عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْفَضِيلَةِ عُذْرٌ لَا عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْخَلَلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِعَادَةَ قِسْمٌ مُقَابِلٌ لِلْأَدَاءِ، وَالْقَضَاءُ خَارِجٌ عَنْ تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا بِنَاءَ عَلَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَعَلَ فَإِنَّ الْإِعَادَةَ مَا فُعِلَ ثَانِيًا لَا أَوَّلًا.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى أَنَّهَا قِسْمٌ مِنْ الْأَدَاءِ، وَإِنَّ قَوْلَهُ فِي تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ أَوَّلًا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: الْمُقَدَّرُ لَهُ شَرْعًا احْتِرَازًا عَنْ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا ثَانِيًا حَيْثُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَذَلِكَ وَقْتُهَا فَقَضَاءُ صَلَاةِ النَّائِمِ أَوْ النَّاسِي عِنْدَ التَّذَكُّرِ قَدْ فُعِلَ فِي وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا ثَانِيًا لَا أَوَّلًا، وَعِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَدَاءُ، وَالْقَضَاءُ مِنْ أَقْسَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ مُوَقَّتًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُوَقَّتٍ فَالْأَدَاءُ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا ثَبَتَ بِالْأَمْرِ وَاجِبًا كَانَ أَوْ نَفْلًا، وَالْقَضَاءُ تَسْلِيمُ مِثْلِ مَا وَجَبَ بِالْأَمْرِ، وَالْمُرَادُ بِالثَّابِتِ بِالْأَمْرِ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالْأَمْرِ لَا مَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِهِ إذْ الْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ السَّبَبُ، وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ تَسْلِيمُ عَيْنِ الثَّابِتِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يَقْبَلُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْعَبْدِ فَلَا يُمْكِنُ أَدَاءُ عَيْنِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا وَجَبَ بِالسَّبَبِ، وَثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ لَا تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالْأَمْرِ كَفِعْلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا أَوْ إيتَاءِ رُبُعِ الْعُشْرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَيْنِيَّةَ، وَالْمِثْلِيَّةَ بِالْقِيَاسِ إلَى مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ مِنْ الْأَمْرِ لَا مَا ثَبَتَ بِالسَّبَبِ فِي الذِّمَّةِ، وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى مَا يُقَالُ: إنَّ الشَّرْعَ شَغَلَ الذِّمَّةِ بِالْوَاجِبِ، ثُمَّ أَمَرَ بِتَفْرِيغِهَا فَأَخَذَ مَا يَحْصُلُ بِهِ فَرَاغُ الذِّمَّةِ حُكْمَ ذَلِكَ الْوَاجِبِ كَأَنَّهُ عَيْنُهُ، وَالثَّابِتُ بِالْأَمْرِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهُ بِصَرِيحِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: ٧٢] أَوْ بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] ، وَمَعْنَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ أَوْ الْمِثْلِ فِي الْأَفْعَالِ، وَالْأَعْرَاضِ إيجَادُهَا، وَالْإِتْيَانُ بِهَا كَأَنَّ الْعِبَادَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَالْعَبْدُ يُؤَدِّيهَا، وَيُسَلِّمُهَا إلَيْهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ التَّقْيِيدَ بِالْوَقْتِ لِيَعُمَّ أَدَاءَ الزَّكَوَاتِ، وَالْأَمَانَاتِ، وَالْمَنْذُورَاتِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَقَالَ: الثَّابِتُ بِالْأَمْرِ دُونَ الْوَاجِبِ بِهِ لِيَعُمَّ أَدَاءَ النَّوَافِلِ فَاعْتُبِرَ فِي الْقَضَاءِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْمَتْرُوكِ لَا مَضْمُونًا، وَالنَّفَلُ لَا يُضْمَنُ بِالتَّرْكِ، وَأَمَّا إذَا شَرَعَ فِيهِ، وَأَفْسَدَهُ فَقَدْ صَارَ بِالشُّرُوعِ وَاجِبًا فَيُقْضَى، وَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ هَاهُنَا مَا يَعُمُّ الْفَرْضَ أَيْضًا، وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَ مِثْلَ الْوَاجِبِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute