الشَّرْعِيَّةِ.
وَشَرَطْنَا حَقَّ السَّمَاعِ احْتِرَازًا عَنْ أَنْ يَحْضُرَ رَجُلٌ مَجْلِسًا، وَقَدْ مَضَى صَدْرٌ مِنْ الْكَلَامِ وَيَخْفَى عَلَى الْمُتَكَلِّمِ هُجُومُهُ لِيُعِيدَهُ، وَهُوَ يَزْدَرِي نَفْسَهُ فَلَا يَسْتَعِيدُهُ. (وَفَهْمَ الْمَعْنَى) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى حَقِّ السَّمَاعِ فِي قَوْلِهِ: وَشَرَطْنَا حَقَّ السَّمَاعِ (هُنَا لَا فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي نَقْلِهِ نَظْمُهُ فَلِهَذَا يُبَالَغُ فِي حِفْظِهِ عَادَةً بِخِلَافِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُنْقَلُ بِالْمَعْنَى حَتَّى وَلَوْ بُولِغَ فِي حِفْظِهِ كَانَتْ كَافِيَةً؛ وَلِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] . وَالْمُرَاقَبَةَ)
بِالنَّصْبِ عَطْفٌ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ (احْتِرَازًا عَمَّا لَا يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِلتَّبْلِيغِ فَيُقَصِّرُ فِي مُرَاقَبَةِ بَعْضِ مَا أُلْقِيَ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ، وَهِيَ الِانْزِجَارُ عَنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ، وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ، وَأَقْصَاهَا أَنْ يَسْتَقِيمَ كَمَا أُمِرَ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَاعْتُبِرَ مَا لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ، وَهُوَ رُجْحَانُ جِهَةِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ عَلَى دَاعِي الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ فَقِيلَ إنَّ مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، وَإِذَا أَصَرَّ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَكَذَا. أَمَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ فَتَامُّ الْعَدَالَةِ فَشَهَادَةُ الْمَسْتُورِ، وَإِنْ كَانَتْ مَرْدُودَةً لَكِنَّ خَبَرَ الْمَجْهُولِ يُقْبَلُ عِنْدَنَا لِشَهَادَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ الْقَرْنِ بِالْعَدَالَةِ. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَإِنَّمَا شَرَطْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ
ــ
[التلويح]
الْوَزْنِ بِحَبَّةٍ، وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْأَرْذَالِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ، فَلَا خَفَاءَ فِي شُمُولِهَا الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ الْكَبَائِرِ فَيَخْرُجُ بِقَيْدِ الْعَدَالَةِ الْكَافِرُ كَمَا يَخْرُجُ الْمُبْتَدِعُ، وَالْفَاسِقُ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الضَّبْطُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّبْطَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْبَلُونَ أَخْبَارَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ الِاتِّصَافُ بِذَلِكَ وَشَاعَ وَذَاعَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ إلَّا أَنَّ هَذَا يُفِيدُ الرُّجْحَانَ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي سَائِرِ كُتُبِ الْأُصُولِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا فِي التَّرْجِيحِ
[فَصْلٌ فِي انْقِطَاعِ الْحَدِيثِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ فِي الِانْقِطَاعِ) وَهُوَ قِسْمَانِ ظَاهِرٌ كَالْإِرْسَالِ وَبَاطِنٌ وَذَلِكَ إمَّا؛ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْخَبَرِ بِكَوْنِهِ مُعَارِضًا لِلْكِتَابِ أَوْ لِلْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَوْ الْمَشْهُورِ أَوْ بِكَوْنِهِ شَاذًّا فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَإِمَّا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ النَّاقِلِ كَنُقْصَانٍ فِي الْعَقْلِ كَخَبَرِ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ أَوْ فِي الضَّبْطِ كَخَبَرِ الْمُغَفَّلِ أَوْ فِي الْعَدَالَةِ كَخَبَرِ الْفَاسِقِ، وَالْمَسْتُورِ أَوْ فِي الْإِسْلَامِ كَخَبَرِ الْمُبْتَدِعِ، وَإِمَّا لِأَمْرٍ غَيْرِ ذَلِكَ كَإِعْرَاضِ الصَّحَابَةِ عَنْهُ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ إنْ ذَكَرَ الرَّاوِي الَّذِي لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ جَمِيعَ الْوَسَائِطِ فَالْخَبَرُ مُسْنَدٌ، وَإِنْ تَرَكَ وَاسِطَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الرَّاوِيَيْنِ فَمُنْقَطِعٌ، وَإِنْ تَرَكَ وَاسِطَةً فَوْقَ الْوَاحِدِ فَمُعْضَلٌ بِفَتْحِ الضَّادِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَاسِطَةَ أَصْلًا فَمُرْسَلٌ.
(قَوْلُهُ: وَمُرْسَلُ الْقَرْنِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ خَمْسَةٍ أَنْ يُسْنِدَهُ غَيْرُهُ أَوْ أَنْ يُرْسِلَهُ آخَرُ، وَعُلِمَ أَنَّ شُيُوخَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ أَوْ أَنْ يَعْضُدَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ أَوْ أَنْ يَعْضُدَهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute