للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ لَا يَفُوتَهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ هَذَا بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ أَيُوجِبُ الْفَوْرَ أَمْ لَا، وَعِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَمْرَ الْمُطْلَقِ لَا يُوجِبُ الْفَوْرَ اتِّفَاقًا بَيْنَنَا فَمَسْأَلَةُ الْحَجِّ مُبْتَدَأَةٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الْعُمْرِ أَدَاءً إجْمَاعًا عُلِمَ أَنَّ كُلَّ الْعُمْرِ وَقْتُهُ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ مَشْكُوكَةٌ حَتَّى إذَا أَدْرَكَ الْقَابِلَ زَالَ ذَلِكَ الشَّكُّ فَقَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، فَإِنَّ الْحَيَاةَ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي غَالِبَةٌ فَاسْتَوَتْ الْأَيَّامُ كُلُّهَا، فَإِنْ قِيلَ لَمَّا تَعَيَّنَ الْعَامُ الْأَوَّلُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْرَعَ فِيهِ النَّفَلَ قُلْنَا إنَّمَا عَيَّنَّا احْتِيَاطِيًّا احْتِرَازًا عَنْ الْفَوْتِ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الِاسْمِ فَقَطْ لَا فِي أَنْ يُبْطِلَ اخْتِيَارَ جِهَةِ التَّقْصِيرِ وَالْإِثْمِ أَيْ لَمَّا كَانَ الْحَجُّ فَرْضَ الْعُمْرِ كَانَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ بِالْعَامِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا عَيَّنَّا احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَفُوتَ

ــ

[التلويح]

مَا هُوَ مِنْ مَشْرُوعَاتِ الْوَقْتِ وَمُتَعَيِّنَاتِهِ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْفَرْضُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَالنَّفَلُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ

[الْقِسْمُ الرَّابِعُ الْحَجُّ يُشْبِهُ الظَّرْفَ وَالْمِعْيَارَ]

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْ الْمُوَقَّتِ فَهُوَ الْحَجُّ، فَإِنَّ وَقْتَهُ مُشْكِلٌ فِي الزِّيَادَةِ وَالْمُسَاوَاةِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى سَنَةِ الْحَجِّ، وَذَلِكَ أَنَّ وَقْتَهُ يُشْبِهُ الظَّرْفَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ لَا تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ وَقْتِ الْحَجِّ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ، وَيُشْبِهُ الْمِعْيَارَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي عَامٍ وَاحِدٍ إلَّا حَجٌّ وَاحِدٌ كَالنَّهَارِ لِلصَّوْمِ، وَثَانِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى سِنِي الْعُمْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وَقْتَهُ الْعُمْرُ وَهُوَ فَاضِلٌ عَلَى الْوَاجِبِ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ فِي الْعَامِ الثَّانِي كَانَ أَدَاءً بِالِاتِّفَاقِ لِوُقُوعِهِ فِي الْوَقْتِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ مُضَيَّقًا حَتَّى لَا يَجُوزَ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ لَا يَسَعُ إلَّا حَجًّا وَاحِدًا فَأَشْبَهَ الْمِعْيَارَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَسَعُ وَاجِبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ، فَإِنْ عَاشَ أَدَّى، وَكَانَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ عَامٍ صَالِحَةً لِلْأَدَاءِ كَإِجْزَاءِ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ مَاتَ تَعَيَّنَتْ الْأَشْهُرُ مِنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ كَالنَّهَارِ لِلصَّوْمِ فَثَبَتَ الْإِشْكَالُ، فَإِنْ قُلْت كَلَامُهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشْكَلُ مِنْ وَقْتِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَضَيَّقَ الْوَاجِبُ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ بِحَيْثُ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَعَيَّنَ أَنَّ وَقْتَهُ الْعَامُ الْأَوَّلُ لَا جَمِيعُ الْعُمْرِ فَكَيْفَ يَكُونُ فِي الْعَامِ الثَّانِي أَدَاءً، وَلَمَّا ثَبَتَ التَّوَسُّعُ وَجَازَ التَّأْخِيرُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَعَيَّنَ أَنَّ وَقْتَهُ جَمِيعُ الْعُمْرِ فَكَيْفَ يَأْثَمُ بِالْمَوْتِ فِي الْعَامِ الثَّانِي قُلْت حَكَمَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالتَّضْيِيقِ لِلِاحْتِيَاطِ لَا لِانْقِطَاعِ التَّوَسُّعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِهَذَا جَازَ أَدَاؤُهُ فِي الْعَامِ الثَّانِي، وَحَكَمَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالتَّوَسُّعِ لِظَاهِرِ الْحَالِ فِي بَقَاءِ الْإِنْسَانِ لَا لِانْقِطَاعِ التَّضْيِيقِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلِهَذَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ لَوْ مَاتَ الْعَامَ الثَّانِي فَثَبَتَ أَنَّ وَقْتَهُ يُشْبِهُ كُلًّا مِنْ الظَّرْفِ وَالْمِعْيَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>