عَلَيْهَا) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ مُتَقَوِّمَةً فَكَيْفَ يُرَدُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْمَنَافِعِ؟ (قُلْنَا بِإِقَامَةِ الْعَيْنِ مَقَامَهَا فَإِنْ قِيلَ: هِيَ فِي الْعَقْدِ مُتَقَوِّمَةٌ) أَيْ الْمَنَافِعُ فِي الْعَقْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِتَقَوُّمِهَا فِي عَقْدِ النِّكَاح (لِأَنَّ ابْتِغَاءَ الْبُضْعِ) ، وَهُوَ النِّكَاحُ (لَا يَجُوزُ إلَّا بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] (وَيَجُوزُ) أَيْ ابْتِغَاءُ الْبُضْعِ (بِمَنْفَعَةِ الْإِجَارَةِ) فَتَكُونُ مَنْفَعَةُ الْإِجَارَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ مَالًا مُتَقَوِّمًا (فَتَكُونُ فِي نَفْسِهَا كَذَلِكَ) أَيْ لَمَّا كَانَتْ الْمَنَافِعُ فِي الْعَقْدِ مُتَقَوِّمَةً كَانَتْ فِي نَفْسِهَا مُتَقَوِّمَةً (لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَا يَصِيرُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ مُتَقَوِّمًا؛ وَلِأَنَّ تَقَوُّمَهَا لَيْسَ لِاحْتِيَاجِ الْعَقْدِ إلَيْهِ) هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى قَوْلِهِ فَتَكُونُ فِي نَفْسِهَا كَذَلِكَ (لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَصِحُّ بِدُونِهِ كَالْخُلْعِ) فَإِنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فِي حَالِ الْخُرُوجِ عَنْ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً فِي حَالِ الدُّخُولِ فِي الْعَقْدِ فَمَعَ أَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ حَالَ الْخُرُوجِ يَصِحُّ مُقَابَلَتُهَا بِالْمَالِ فِي الْعَقْدِ، وَهُوَ عَقْدُ الْخُلْعِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقَوُّمِهَا فَتَقَوُّمُهَا فِي الْعَقْدِ لَيْسَ لِضَرُورَةِ الْعَقْدِ، وَلَمَّا ثَبَتَ تَقَوُّمُهَا فِي الْعَقْدِ تَكُونُ فِي نَفْسِهَا مُتَقَوِّمَةً (قُلْنَا تَقَوُّمُهَا فِي الْعَقْدِ ثَبَتَ بِالرِّضَا) هَذَا مَنْعٌ لِقَوْلِهِ إنَّ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَا يَصِيرُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ مُتَقَوِّمًا بَلْ يَصِيرُ فِي الْعَقْدِ مُتَقَوِّمًا بِالرِّضَا (بِخِلَافِ
ــ
[التلويح]
وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْمَالِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْخَطَأِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ الدَّمِ الْمَعْصُومِ عَنْ الْهَدَرِ بِالْكُلِّيَّةِ
[الْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ]
(قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ) كَتَسْلِيمِ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ، وَالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ، وَهَذَا جَهَالَةٌ فِي الْوَصْفِ لَا فِي الْجِنْسِ كَمَا فِي تَسْمِيَةِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ فَيُحْتَمَلُ فِيمَا يُبْنَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ كَالنِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ فِي الْبَيْعِ فَتَسْلِيمُ عَبْدٍ وَسَطُ أَدَاءً، وَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ قَضَاءٌ حَقِيقَةً لِكَوْنِهَا مِثْلَ الْوَاجِبِ لَا عَيْنَهُ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْأَدَاءَ لِمَا فِي الْقِيمَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَصَالَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ بِجَهَالَةٍ، وَصِفَةٍ لَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ إلَّا بِتَعْيِينِهِ، وَلَا تَعْيِينَ إلَّا بِالتَّقَوُّمِ فَصَارَتْ الْقِيمَةُ أَصْلًا يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ مُقَدَّمًا عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى إنْ كَانَ الْعَبْدُ خَلَفًا عَنْهُ فَإِنْ قِيلَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَعَيَّنَ الْقِيمَةُ وَلَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ أَدَاءِ الْعَبْدِ وَالْقِيمَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومُ الْجِنْسِ مَجْهُولُ الْوَصْفِ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ هُوَ كَمَا لَوْ أَمْهَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي تَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ أَمْهَرَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَصَارَ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ كَأَنَّهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ فَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ إذْ التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ فَأَيُّهُمَا أَدَّى تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْقَبُولِ.
فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ وَأَيْضًا الْوَاجِبُ مِنْ الْأَصْلِ الْوَسَطُ، وَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ لَا يَصْلُحُ وَجْهًا بِرَأْسِهِ فِي أَصَالَةِ الْقِيمَةِ بَلْ هُوَ تَوْضِيحٌ، وَتَتْمِيمٌ لِمَا سَبَقَ عَلَى مَا قَرَّرْنَا إذْ بِمُجَرَّدِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْعَبْدُ لَا يَتَحَقَّقُ أَصَالَةُ الْبَدَلِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ لِجَرَيَانِهِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَدَاءِ
[فَصْلٌ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) مِنْ قَضَايَا الشَّرْعِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَكِيمٌ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ فَلَا امْتِنَاعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute