للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ إنَّ التَّعْدِيَةَ تُوجِبُ أَنْ لَا يَبْقَى الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، وَأَيْضًا لَا تُشْعِرُ بِعَدَمِ بَقَائِهِ فِي الْأَصْلِ بَلْ تُشْعِرُ بِبَقَائِهِ فِي الْأَصْلِ فِي وَضْعِهَا اللُّغَوِيِّ أَلَا يَرَى أَنَّ تَعْدِيَةَ الْفِعْلِ هِيَ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى التَّعَلُّقِ بِالْفَاعِلِ بَلْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَفْعُولِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَاعِلِ.

فَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ لَا يَقْتَصِرَ ذَلِكَ النَّوْعُ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى الْأَصْلِ بَلْ يَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا، وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ الْمُتَّحِدِ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ لَا تُمْكِنُ إلَّا وَأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُتَّحِدًا مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ

ــ

[التلويح]

بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ دَلِيلُ إثْبَاتِ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي الذُّرَةِ هُوَ الْقِيَاسُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هُوَ إثْبَاتُ حُرْمَةِ الرِّبَا فِيهِ

[الْقِيَاسُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُثْبِتَ الْحُكْمِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى) غَيْرُ وَافٍ بِالْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ مُثْبِتًا لِلْحُكْمِ بَلْ يُجْعَلَ مُظْهِرًا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَنَّ مَرْجِعَ الْكُلِّ إلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَالْأَوْجَهُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ يَثْبُتُ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ الْوَارِدِ فِي الْأَصْلِ، وَالْقِيَاسُ بَيَانٌ لِعُمُومِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالْأَصْلِ، وَهَذَا أَوْضَحُ ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنْ تُفَسَّرَ التَّعْدِيَةُ بِالْإِبَانَةِ وَالْإِظْهَارِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْقِيَاسَ إبَانَةُ مِثْلِ حُكْمِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي الْآخَرِ.

(قَوْلُهُ: وَأَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ نَفَوْهُ) أَيْ: الْقِيَاسَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَقْلِ حَمْلُ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالْأُصُولِ الدِّينِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَقْلِ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ خَاصَّةً إمَّا لِامْتِنَاعِهِ عَقْلًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الشِّيعَةِ وَالنَّظَّامُ، وَإِمَّا لِامْتِنَاعِهِ سَمْعًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَدِلَّةُ الْمَذْهَبِ الْأَخِيرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّا قَاطِعُونَ بِأَنَّ الشَّارِعَ لَوْ قَالَ: إذَا وَجَدْت مُسَاوَاةَ فَرْعِ لِأَصْلٍ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ، فَأَثْبِتْ فِيهِ مِثْلَ حُكْمِهِ، وَاعْمَلْ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ فَقِيلَ هُوَ وَاجِبٌ عَقْلًا لِئَلَّا تَخْلُوَ الْوَقَائِعُ عَنْ الْأَحْكَامِ إذْ النَّصُّ لَا يَفِي بِالْحَوَادِثِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ.

وَجَوَابُهُ: أَنَّ أَجْنَاسَ الْأَحْكَامِ، وَكُلِّيَّاتِهَا مُتَنَاهِيَةٌ يَجُوزُ التَّنْصِيصُ عَلَيْهَا بِالْعُمُومَاتِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَذَهَبَ النَّهْرَوَانِيُّ وَالْقَاشَانِيُّ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاقِعٍ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ وَاقِعٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِهِ. فَقِيلَ: بِالْعَقْلِ. وَقِيلَ: بِالسَّمْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالسَّمْعِ فَقِيلَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، وَقِيلَ قَطْعِيٍّ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ نَصِّ الْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَبِالْإِجْمَاعِ.

(قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ لَوْحٌ مِنْ دِرَّةٍ بَيْضَاءَ طُولُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَعَرْضُهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>