يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ.
وَقَوْلُهُ لَا تُدْرَكُ بِمُجَرَّدِ اللُّغَةِ احْتِرَازٌ عَنْ دَلَالَةِ النَّصِّ، وَذِكْرُ هَذَا الْقَيْدِ وَاجِبٌ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ دَلَالَةِ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ.
(وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا جَعَلُوا الْعِلَّةَ رُكْنَ الْقِيَاسِ وَالتَّعْدِيَةَ حُكْمَهُ فَالْقِيَاسُ تَبْيِينُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ هَذَا لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ) .
ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْعِلَّةَ رُكْنُ الْقِيَاسِ وَالتَّعْدِيَةَ حُكْمُهُ فَالرُّكْنُ مَا يَتَقَوَّمُ بِهِ الشَّيْءُ وَالْحُكْمُ هُوَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِالشَّيْءِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَتَقَوَّمُ بِهِ وَيَتَحَقَّقُ بِهِ الْقِيَاسُ هُوَ الْعِلَّةُ أَيْ: الْعِلْمُ بِالْعِلَّةِ ثُمَّ التَّعْدِيَةُ هِيَ أَثَرُ الْقِيَاسِ، فَالْقِيَاسُ هُوَ تَبْيِينُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ هَذَا الشَّيْءُ لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ فَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ التَّعْدِيَةُ نَتِيجَةُ الْقِيَاسِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ حَتَّى لَوْ عُلِّلَ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكُونُ هَذَا التَّعْلِيلُ قِيَاسًا، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ جَعْلِ الْقِيَاسِ تَعْدِيَةً، وَإِثْبَاتًا لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ مُعَلَّلٌ بِالْقِيَاسِ، وَالْعِلَّةُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ خَارِجَةً عَنْ الْمَعْلُولِ، وَعِلَّةُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ لَيْسَتْ إلَّا الْحُكْمُ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْعِلَّةِ لِتَثْبُتَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ.
(وَهُوَ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِأَنَّ الْحُكْمَ هَذَا إلَّا أَنَّهُ مُثْبَتٌ لَهُ ابْتِدَاءً) أَيْ: الْقِيَاسُ يُفِيدُ غَلَبَةَ ظَنِّنَا بِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي صُورَةِ الْفَرْعِ هَذَا فَمَا ذَكَرْنَا مِنْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ، فَالْمُرَادُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى لَا أَنَّ الْقِيَاسَ مُثْبِتٌ لِلْحُكْمِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ مُثْبِتَ الْحُكْمِ هُوَ اللَّهُ
ــ
[التلويح]
وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ هُوَ الْعَقْلُ الْفَعَّالُ الْمُنْتَقِشُ بِصُورَةِ الْكَائِنَاتِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ تَنْطَبِعُ الْعُلُومُ فِي عُقُولِ النَّاسِ، وَقِيلَ: هُوَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَلَى هَذَا لَا اسْتِدْلَالَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ هُوَ الْقُرْآنُ فَلَا اسْتِدْلَالَ أَيْضًا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ} [الأنعام: ٥٩] الْآيَةَ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى وَرَقَةٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا} [الأنعام: ٥٩] أَيْ: مَا يَسْقُطُ مِنْ رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ وَفَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمُنْبِتٍ وَغَيْرِ مُنْبِتٍ وَلَا مَعْنَى حِينَئِذٍ لِلتَّعْمِيمِ الْمُرَادِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِمْ مَا تَرَكَ فُلَانٌ مِنْ رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إلَّا جَمَعَهُ نَعَمْ لَوْ حَمَلَ قِرَاءَةَ الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ دُونَ الْعَطْفِ عَلَى مَحَلِّ مِنْ وَرَقَةٍ لَكَانَ فِيهِ تَمَسُّكٌ يَحْتَاجُ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ.
وَهُوَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فُرِضَ فَهُوَ كَائِنٌ فِي الْقُرْآنِ مَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي قَوْله تَعَالَى {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩] فَحُكْمُ الْمَقِيسِ مَذْكُورٌ فِيهِ مَعْنًى، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْقِيَاسِ مُظْهِرًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ تَمَسُّكُ لُزُومِ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُ الْقُرْآنِ حُجَّةً فَإِنْ قِيلَ الْكُلُّ فِي الْقُرْآنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ قُلْنَا فَلْيَكُنْ فِيهِ حُكْمُ الْقِيَاسِ وَيَعْرِفُهُ الْمُجْتَهِدُ.
(قَوْلُهُ أَوْلَادُ السَّبَايَا) جَمْعُ سَبِيَّةٍ بِمَعْنَى مَسْبِيَّةٍ يَعْنِي: أَنَّهُمْ اتَّخَذُوا الْجَوَارِيَ سُرِّيَّاتٍ فَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلَادًا غَيْرَ نُجَبَاءَ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَجُزْ إثْبَاتُهُ بِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute