الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الْأَفْعَالِ، وَالْأَقْوَالِ عَلَى نَهْجِ الْعَقْلِ إلَّا نَادِرًا (وَهُوَ فِي الْقِيَاسِ مُسْقِطٌ لِكُلِّ الْعِبَادَاتِ لِمُنَافَاتِهِ الْقُدْرَةَ؛ وَلِهَذَا عُصِمَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ، وَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ الْأَدَاءُ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْتَدَّ لَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْحَرَجِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ يَرِثُ، وَيَمْلِكُ لِبَقَاءِ ذِمَّتِهِ، وَهُوَ أَهْلٌ لِلثَّوَابِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ إذَا لَمْ يَمْتَدَّ الْجُنُونُ (إذَا اعْتَرَضَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَمَّا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا؛ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مُطْلَقًا، وَمُحَمَّدٌ لَمْ يُفَرِّقْ) مَا بَيْنَ عَرَضَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَبَيْنَ مَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا فَالْمُمْتَدُّ مُسْقِطٌ، وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ مُسْقِطٌ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ الْمُمْتَدُّ مُسْقِطٌ، وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ غَيْرُ مُسْقِطٍ عِنْدَهُ (ثُمَّ الِامْتِدَادُ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِسَاعَةٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِصَلَاةٍ فَتَصِيرُ الصَّلَاةُ سِتًّا، وَفِي الصَّوْمِ بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَبِالزَّكَاةِ بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ الْحَوْلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَكْثَرُهُ كَافٍ) أَيْ الْجُنُونُ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ كَافٍ لِسُقُوطِ الزَّكَاةِ (وَأَمَّا إيمَانُهُ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ لِعَدَمِ الْعَقْلِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حَجْرًا) ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا جَوَابًا لِسُؤَالٍ وَهُوَ: أَنَّ
ــ
[التلويح]
مِنْ الْفَسَادِ لِقُدْرَةِ الْمَجْنُونِ عَلَى الْوَطْءِ (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ) فِيمَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا، وَأَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ فَارْتَدَّا، وَلَحِقَا مَعَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ بِوَاسِطَةِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ، وَكَذَا إذَا بَلَغَ مُسْلِمًا، ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَسْلَمَ عَاقِلًا فَجُنَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ صَارَ أَهْلًا لِلْإِيمَانِ بِتَقَرُّرِ رُكْنِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِالتَّبَعِيَّةِ أَوْ عُرُوضِ الْجُنُونِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) أَيْ: الْمَجْنُونُ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْأَفْعَالِ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا إذَا أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ لِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ حِسًّا مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَالُ، وَأَدَاؤُهُ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ بِخِلَافِ أَقْوَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا شَرْعًا لِانْتِفَاءِ تَعَقُّلِ الْمَعَانِي فَلَا تَصِحُّ أَقَارِيرُهُ، وَعُقُودُهُ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ
[الصِّغَرُ]
. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْحِرْمَانُ بِالْكُفْرِ، وَالرِّقِّ) كَمَا إذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ أَوْ اُسْتُرِقَّ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ أَمَّا الْكَافِرُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَهِيَ السَّبَبُ لِلْإِرْثِ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ حَالِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: ٥] {يَرِثُنِي} [مريم: ٦] ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ
[الْعَتَهُ]
. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ) أَيْ: حُكْمُ الْعَتَهِ حُكْمُ الصِّبَا مَعَ الْعَقْلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِي أَوَّلِ حَالِهِ عَدِيمُ الْعَقْلِ فَأُلْحِقَ بِهِ الْمَجْنُونُ، وَفِي الْآخَرِ نَاقِصُ الْعَقْلِ فَأُلْحِقَ بِهِ الْمَعْتُوهُ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَوْلِ، وَالْفِعْلِ حَتَّى يَصِحَّ إسْلَامُهُ، وَتَوْكِيلُهُ فِي بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ، وَالشِّرَاءِ لَهُ، وَفِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ، وَيَمْنَعُ مَا يُوجِبُ إلْزَامَ شَيْءٍ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُ امْرَأَتِهِ، وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ، وَلَوْ بِإِذْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute