فَيُوجِبُ الْمَالَ كَالْخَطَأِ فَنَقُولُ لَيْسَ كَالْخَطَأِ إذْ لَا قُدْرَةَ فِيهِ عَلَى الْمِثْلِ) أَيْ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ جَزَاءٌ كَامِلٌ فَلَا يَجِبُ مَعَ قُصُورِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْخَطَأُ فَإِنْ أُورِدَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رُبَّمَا لَا يَقْبَلُهُ الْجَدَلِيُّ فَنُورِدُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ
(فَتَوْجِيهُ هَذَا) أَيْ تَوْجِيهُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ
(أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ) وَهُوَ الْخَطَأُ
(شَرْعُ الْمَالِ خَلَفًا عَنْ الْقَوَدِ وَفِي الْفَرْعِ مُزَاحَمَتُهُ إيَّاهُ) يَعْنِي أَنَّ الْمَالَ شُرِعَ خَلَفًا عَنْ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ وُجُوبُ الْقَوَدِ لَكِنْ لَمْ يَجِبْ لِمَا قُلْنَا فَوَجَبَ خَلَفُهُ وَفِي الْفَرْعِ وَهُوَ الْعَمْدُ الْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُزَاحَمَةُ الْمَالِ الْقَوَدَ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ.
(وَمِنْهُ الْمُمَانَعَةُ فَهِيَ إمَّا فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَسِّكًا بِمَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا كَالطَّرْدِ وَالتَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونَ الْعِلَّةُ هَذَا بَلْ غَيْرَهُ كَمَا ذَكَرْنَا
ــ
[التلويح]
قُتِلَ عَبْدٌ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ كَالْمُكَاتَبِ فَقِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ أَعْنِي الْمُكَاتَبِ كَوْنُهُ عَبْدًا بَلْ جَهَالَةُ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ السَّيِّدُ أَوْ الْوَارِثُ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعِلَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُمَانَعَةَ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ هِيَ أَسَاسُ الْمُنَاظَرَةِ لِعُمُومِ وُرُودِهَا عَلَى الْقِيَاسِ إذْ قَلَّمَا تَكُونُ الْعِلَّةُ قَطْعِيَّةً وَعِنْدَ إيرَادِهَا يَرْجِعُ الْمُعَلَّلُ فِي التَّقَصِّي عَنْهَا إلَى مَسَالِكِ الْعِلَّةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا أَبْحَاثٌ فَيُطَوِّلُ الْقِيلَ وَالْقَالَ وَيُكْثِرُ الْجَوَابَ وَالسُّؤَالَ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْمَانِعَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَطَلَبِ الدَّلِيلِ لَا عَلَى وَجْهِ الدَّعْوَى وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَصِحُّ الْمُمَانَعَةُ بَعْدَ ظُهُورِ تَأْثِيرِهَا لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ الْوَصْفِ بِمَعْنَى اعْتِبَارِ نَوْعِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ وَتَكُونُ عِلَّةُ الْحُكْمِ غَيْرَهُ أَوْ يَكُونُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ فَسَادِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَعْدَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ وَلِهَذَا جَعَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَفْعَ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ بِالْمُمَانَعَةِ وَالْمُعَارَضَةِ صَحِيحًا وَبِالنَّقْضِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ فَاسِدًا نَعَمْ قَدْ يُورِدُ النَّقْضَ وَفَسَادَ الْوَضْعِ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ وَبَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
[الْمُعَارَضَةُ]
(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَرْجِعَ جَمِيعِ الِاعْتِرَاضَاتِ إلَى الْمَنْعِ وَالْمُعَارَضَةِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ الْإِلْزَامُ بِإِثْبَاتِ مُدَّعَاهُ بِدَلِيلِ الْمُعْتَرِضِ، عَدَمُ الِالْتِزَامِ بِمَنْعِهِ عَنْ إثْبَاتِهِ بِدَلِيلِهِ، وَالْإِثْبَاتُ يَكُونُ بِصِحَّةِ مُقَدِّمَاتِهِ لِيَصْلُحَ لِلشَّهَادَةِ وَبِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ لِتَنْفُذَ شَهَادَتُهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَالدَّفْعُ يَكُونُ بِهَدْمِ أَحَدِهِمَا فَهَدْمُ شَهَادَةِ الدَّلِيلِ يَكُونُ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّتِهِ بِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَطَلَبِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا، وَهَدْمُ سَلَامَتِهِ يَكُونُ بِفَسَادِ شَهَادَتِهِ فِي الْمُعَارَضَةِ بِمَا يُقَابِلُهَا وَبِمَنْعِ ثُبُوتِ حُكْمِهَا فَمَا لَا يَكُونُ مِنْ الْقَبِيلَيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَقْصُودِ الِاعْتِرَاضِ فَالنَّقْضُ وَفَسَادُ الْوَضْعِ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْعِ وَالْقَلْبُ وَالْعَكْسُ وَالْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ تَخْصِيصِ الْمُنَاقَضَةِ بِالْمَنْعِ مَعَ السَّنَدِ يُبْطِلُ حَصْرَ الِاعْتِرَاضِ فِي الْمُنَاقَضَةِ وَالْمُعَارَضَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute