الرَّدَّ (وَلِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ إذَا تَضَمَّنَ رِفْقًا كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ) هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَالرِّفْقُ هُنَا مُتَعَيِّنٌ فِي الْقَصْرِ، فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ) فَتَكُونُ الرُّخْصَةُ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ.
(أَمَّا صَوْمُ الْمُسَافِرِ وَإِفْطَارُهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ رِفْقًا وَمَشَقَّةً فَإِنَّ الصَّوْمَ عَلَى سَبِيلِ مُوَافَقَةِ الْمُسْلِمِينَ أَسْهَلُ وَفِي غَيْرِ رَمَضَانَ أَشَقُّ فَالتَّخْيِيرُ يُفِيدُ فَإِنْ قِيلَ: إكْمَالُ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ أَشَقَّ فَثَوَابُهُ أَكْمَلُ فَيُفِيدُ التَّخْيِيرَ قُلْنَا الثَّوَابُ الَّذِي يَكُونُ بِأَدَاءِ الْفَرْضِ مُسَاوٍ فِيهِمَا)
(وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْحُكْمِ) ، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي يَكُونُ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ (فَالشَّيْءُ الْمُتَعَلِّقُ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي
ــ
[التلويح]
بِالشَّرْطِ هُوَ اسْتِحْبَابُ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَ عَدَمِ الْخَيْرِ فِي الْمُكَاتَبِ، وَفِي آيَةٍ لِقَصْرِ الْمُرَادِ قَصْرُ الْأَحْوَالِ كَالْإِيجَازِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتَّخْفِيفِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاكْتِفَاءِ بِالْإِيمَاءِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ كَيْفَ وَالْأَئِمَّةُ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ فِي قَصْرِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّصَدُّقُ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ إسْقَاطٌ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مَا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ عَنْ التَّصَدُّقِ بِالْعَيْنِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلتَّمْلِيكِ وَعَنْ التَّصَدُّقِ بِالدَّيْنِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ إذَا تَضَمَّنَ رِفْقًا) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ تَخْيِيرُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا رِفْقًا مِنْ وَجْهٍ أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَبِاعْتِبَارِ قَصْرِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ فَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْخُطْبَةِ وَالسَّعْيِ وَلَا يَرِدُ تَخْيِيرُ مَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ فَدَخَلَ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ صَوْمِ السَّنَةِ وَفَاءً بِالنَّذْرِ وَبَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَفَّارَةً؛ لِأَنَّ الصَّوْمَيْنِ مُخْتَلِفَانِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ صَوْمَ السَّنَةِ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ مَعْنَى الزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ وَصَوْمُ الثَّلَاثَةِ كَفَّارَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالزَّجْرِ فَيَصِحُّ التَّخْيِيرُ طَلَبًا لِلْأَرْفَقِ، وَلَا يَرِدُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ أَخَفُّ عَمَلًا وَالْأَرْبَعَ أَكْثَرُ ثَوَابًا بِخِلَافِ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ، فَإِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الثَّوَابِ الْحَاصِلِ بِأَدَاءِ الْفَرْضِ وَالْقَصْرُ مُتَعَيِّنُ لِلرِّفْقِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الثَّوَابَ بِمَا يَكُونُ بِأَدَاءِ الْفَرْضِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْإِتْمَامُ أَكْثَرَ ثَوَابًا بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ كَمَا إذَا طَوَّلَ إحْدَى الْفَجْرَيْنِ وَأَكْثَرَ فِيهَا الْقِرَاءَةَ وَالْأَذْكَارَ وَكَلَامُنَا إنَّمَا هُوَ فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ
[الْقَسْم الثَّانِي مِنْ الْحُكْمِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ حُكْمًا بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ]
(قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْقِيَاسِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَأْثِيرِ الشَّيْءِ هَاهُنَا هُوَ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ إيَّاهُ بِحَسَبِ نَوْعِهِ، أَوْ جِنْسِهِ الْقَرِيبِ فِي الشَّيْءِ الْآخَرِ لَا الْإِيجَادِ كَمَا فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعُمْدَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ هُوَ الِاسْتِقْرَاءُ وَالْمَذْكُورُ فِي بَيَانِ وَجْهِ الِانْحِصَارِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الضَّبْطِ وَإِلَّا فَالْمَنْعُ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ لِجَوَازِ التَّعْلِيقِ بِوُجُوهٍ أُخَرَ مِثْلَ الْمَانِعِيَّةِ كَتَعَلُّقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute