أَنَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَنَحْنُ آمِنُونَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» وَإِنَّمَا سَأَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّ الْقَصْرَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَوْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَكَذَا سُؤَالُ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَالًّا عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ لَمَا سَأَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَكَانَ عَالِمًا بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَأَرْبَابِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَيَانِ.
(وَالتَّصَدُّقُ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ إسْقَاطٌ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ) أَيْ التَّصَدُّقُ (مِمَّنْ لَا يَلْزَمُ طَاعَتُهُ كَوَلِيِّ الْقِصَاصِ فَهَاهُنَا أَوْلَى) أَيْ فِي صُورَةٍ يَكُونُ التَّصَدُّقُ مِمَّنْ يَلْزَمُ طَاعَتُهُ، وَهُوَ اللَّهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ إسْقَاطًا لَا يَحْتَمِلُ
ــ
[التلويح]
اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» فَقَوْلُهُ: هَذِهِ إشَارَةٌ إلَى الصَّلَاةِ الْمَقْصُورَةِ، أَوْ إلَى قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ صَدَقَةً وَقَوْلُهُ: فَاقْبَلُوا مَعْنَاهُ اعْمَلُوا بِهَا وَاعْتَقِدُوهَا كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ قَبِلَ الشَّرَائِعَ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْوَاحِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَ إقْصَارُ النَّاسِ الصَّلَاةَ الْيَوْمَ، وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] ، وَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ ، فَقَالَ عَجِبْت مِنْهُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «هَذِهِ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» ، ثُمَّ إنَّ سُؤَالَ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَعَجُّبَهُ وَإِشْكَالَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ لِكَوْنِ الْعَمَلِ وَاقِعًا عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَهُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ السُّؤَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ اسْتِصْحَابَ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ لَا عَلَى أَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَرْضَ رَأْسًا بِرَأْسٍ حَتَّى جَعَلَ سُؤَالَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دَلِيلًا عَلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ إذْ لَوْ كَانَ دَالًّا عَلَيْهِ لَفَهِمَهُ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلسُّؤَالِ بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ الْعَمَلِ عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَهُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ سِيَاقُ الْقِصَّةِ، وَكَذَا اسْتِدْلَالُهُ بِالْآيَةِ أَيْضًا ضَعِيفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ فَائِدَةٌ أُخْرَى مِثْلُ الْخُرُوجِ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ الْخَوْفُ. وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] ، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُكَاتِبُ الْعَبْدَ إذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ لَازِمٌ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْلُولُ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَكَانَ التَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ لَغْوًا، وَأَنَّ فِي آيَةِ الْكِتَابَةِ الْمُعَلَّقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute