وَيَصْلُحُ) أَيْ: الْخَطَأُ (مُخَفَّفًا لِمَا هُوَ صِلَةٌ لَمْ تُقَابِلْ مَالًا وَوَجَبَتْ بِالْفِعْلِ كَالدِّيَةِ) إنَّمَا قَالَ هَذَا؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِسَبَبِ الْمَحَلِّ لَا يَكُونُ الْخَطَأُ مُخَفَّفًا فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ لَا جَزَاءُ فِعْلٍ (وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إذْ لَا يَنْفَكُّ عَنْ ضَرْبِ تَقْصِيرٍ، فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِمَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَالْعُقُوبَةِ إذْ هُوَ جَزَاءٌ قَاصِرٌ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى مَا هُوَ دَائِرٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَفَّارَةُ (وَيَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَنَا لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ فَصَارَ كَالنَّائِمِ وَلَنَا أَنَّ دَوَامَ الْعَمَلِ بِالْعَقْلِ بِلَا سَهْوٍ، وَغَفْلَةٍ أَمْرٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِحَرَجٍ فَأُقِيمَ الْبُلُوغُ مَقَامَهُ لَا مَقَامَ الْيَقَظَةِ، وَالرِّضَى فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهِمَا كَالْبَيْعِ إذْ لَا حَرَجَ فِي دَرْكِهِمَا) تَقْرِيرُهُ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ الْأَعْمَالُ إلَّا، وَأَنْ تَكُونَ صَادِرَةً عَنْ الْعَقْلِ بِلَا سَهْوٍ، وَغَفْلَةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَادِرَةً عَنْ سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ يَجِبُ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ، وَلَا يُؤَاخَذُ الْإِنْسَانُ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] ؛ وَلِأَنَّ السَّهْوَ، وَالْغَفْلَةَ مَرْكُوزَانِ فِي الْإِنْسَانِ، فَيَكُونَانِ عُذْرًا لَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْحَرَجِ، فَأَقَمْنَا الْبُلُوغَ مَقَامَ دَوَامِ الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ إقَامَةً لِلدَّلِيلِ مَقَامَ الْمَدْلُولِ فَإِنَّ السَّهْوَ وَالْغَفْلَةَ إنَّمَا يَعْرِضَانِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ فَإِذَا كَمُلَ الْعَقْلُ بِكَثْرَةِ التَّجَارِبِ عِنْدَ الْبُلُوغِ لَا يَقَعُ السَّهْوُ، وَالْغَفْلَةُ إلَّا نَادِرًا وَكُلُّ عَمَلٍ صَدَرَ عَنْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ اُعْتُبِرَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ
ــ
[التلويح]
أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ خَطَأً فَهُوَ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ يَنْعَقِدُ نَظَرًا إلَى أَصْلِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ صَدَرَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِإِقَامَةِ الْبُلُوغِ مَقَامَ الْقَصْدِ لَكِنْ يَكُونُ فَاسِدًا غَيْرَ نَافِذٍ لِعَدَمِ الرِّضَى حَقِيقَةً
[الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ غَيْرِهِ]
[الْإِكْرَاهُ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ أَوْ غَيْرُ مُلْجِئٍ]
. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الَّذِي مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ هُوَ الْإِكْرَاهُ، وَهُوَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَرْضَاهُ، وَلَا يَخْتَارُ مُبَاشَرَتَهُ لَوْ خُلِّيَ وَنَفْسَهُ، فَيَكُونُ مُعْدِمًا لِلرِّضَى لَا لِلِاخْتِيَارِ إذْ الْفِعْلُ يَصْدُرُ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ لَكِنَّهُ قَدْ يَفْسُدُ الِاخْتِيَارُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مُسْتَنِدًا إلَى اخْتِيَارٍ آخَرَ، وَقَدْ لَا يَفْسُدُ بِأَنْ يَبْقَى الْفَاعِلُ مُسْتَقِلًّا فِي قَصْدِهِ، وَحَقِيقَةُ الِاخْتِيَارِ هُوَ الْقَصْدُ إلَى مَقْدُورٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ اسْتَقَلَّ الْفَاعِلُ فِي قَصْدِهِ فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَفَاسِدٌ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ الْإِكْرَاهُ إمَّا مُلْجِئًا بِأَنْ يَضْطَرَّ الْفَاعِلُ إلَى مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ النَّفْسِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا كَالْعُضْوِ، وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ بِأَنْ يَتَمَكَّنَ الْفَاعِلُ مِنْ الصَّبْرِ مِنْ غَيْرِ فَوَاتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ، وَهُوَ سَوَاءٌ كَانَ مُلْجِئًا أَوْ غَيْرَ مُلْجِئٍ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ، وَلَا الْخِطَابِ بِالْأَدَاءِ لِبَقَاءِ الذِّمَّةِ، وَالْعَقْلِ، وَالْبُلُوغِ، وَلِأَنَّ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إمَّا فَرْضٌ أَوْ مُبَاحٌ أَوْ رُخْصَةٌ أَوْ حَرَامٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ الْخِطَابِ حَتَّى أَنَّهُ يُؤَخَّرُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ مَرَّةً كَمَا إذَا كَانَ فَرْضًا كَالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَيَأْثَمُ مَرَّةً أُخْرَى كَمَا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute