للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى عَدَمِ الرُّخْصَةِ لِمَنْ يُسَافِرُ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ فَجَعَلَ قَوْله تَعَالَى {غَيْرَ بَاغٍ} [البقرة: ١٧٣] حَالًا مِنْ قَوْلِهِ {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: ١٧٣] ، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ قَوْلِهِ، فَأَكَلَ ثُمَّ نَجْعَلُ قَوْلَهُ {غَيْرَ بَاغٍ} [البقرة: ١٧٣] حَالًا مِنْ أَكَلَ فَمَعْنَاهُ غَيْرَ طَالِبٍ لِلْمَيْتَةِ قَصْدًا إلَيْهَا وَلَا آكِلٍ الْمَيْتَةَ تَلَذُّذًا وَاقْتِضَاءً لِلشَّهْوَةِ بَلْ يَأْكُلُهَا دَافِعًا لِلضَّرُورَةِ، وَلَا عَادٍ حَدَّ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ أَوْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاوَزَ حَدَّ سَدِّ الرَّمَقِ وَلَا يَعْدُو أَيْ: لَا يَرْفَعُهَا لِجَوْعَةٍ أُخْرَى.

(وَمِنْهَا الْخَطَأُ) وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَهُ قَصْدًا تَامًّا كَمَا إذَا رَمَى صَيْدًا، فَأَصَابَ إنْسَانًا فَإِنَّهُ قَصَدَ الرَّمْيَ لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِنْسَانَ فَوُجِدَ قَصْدٌ غَيْرُ تَامٍّ (وَهُوَ يَصْلُحُ عُذْرًا فِي سُقُوطِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَصَلَ عَنْ اجْتِهَادٍ، وَيَصْلُحُ شُبْهَةً فِي الْعُقُوبَةِ حَتَّى لَا يَأْثَمَ إثْمَ الْقَتْلِ وَلَا يُؤَاخَذَ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءٌ كَامِلٌ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَعْذُورِ وَلَيْسَ بِعُذْرٍ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِبَ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ لَا جَزَاءُ فِعْلٍ

ــ

[التلويح]

طَلَاقُهُ) إنَّ طَلَاقَ الْمُخْطِئِ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ جَالِسٌ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ بِالْقَصْدِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الْمُخْطِئِ كَالنَّائِمِ، وَجَوَابُهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، وَفِي قَوْلِهِ لَا مَقَامَ الْيَقَظَةِ، وَالرِّضَى جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْبُلُوغُ مِنْ عَقْلٍ قَائِمًا مَقَامَ الْقَصْدِ فِي الطَّلَاقِ لَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ طَلَاقُ النَّائِمِ إقَامَةً لِلْبُلُوغِ مَقَامَ الْقَصْدِ، وَأَنْ يَقُومَ الْبُلُوغُ مَقَامَ الرِّضَى فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى الرِّضَى كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِأَنَّ الرِّضَى أَمْرٌ بَاطِنٌ كَالْقَصْدِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الشَّيْءِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ خَفِيًّا يَعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَعَدَمُ الْقَصْدِ، وَأَهْلِيَّةُ اسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ فِي النَّائِمِ مَعْلُومٌ بِلَا حَرَجٍ، وَكَذَا وُجُودُ الرِّضَى، وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا نِهَايَةُ الِاخْتِيَارِ بِحَيْثُ يُفْضِي أَثَرُهُ إلَى الظَّاهِرِ مِنْ ظُهُورِ الْبَشَاشَةِ فِي الْوَجْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي النَّائِمِ، وَوُجُودُ الرِّضَى فِي غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَعْسُرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إقَامَةِ الشَّيْءِ مَقَامَهُمَا بَلْ جُعِلَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِحَقِيقَتِهِمَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَكِنْ فِي قَوْلِهِ لَا مَقَامَ الْيَقَظَةِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ يَقُولُ بِإِقَامَةِ الْبُلُوغِ مَقَامَ الْقَصْدِ لَا مَقَامَ الْيَقَظَةِ فَإِنَّ انْتِفَاءَ يَقِظَةِ النَّائِمِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ، وَلِأَنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ فِي أَهْلِيَّةِ الْأَحْكَامِ، وَاعْتِبَارُ الْكَلَامِ هُوَ الْعَمَلُ عَنْ قَصْدٍ، وَهُوَ الْأَمْرُ الْبَاطِنُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ شَيْءٍ مَقَامَهُ لَا حَقِيقَةَ الْيَقَظَةِ، وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْيَقَظَةِ عَنْ الْقَصْدِ، وَاسْتِعْمَالُ الْعَقْلِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُلَابَسَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ إنَّمَا يُقَامُ مَقَامَ الشَّيْءِ عِنْدَ خَفَاءِ وُجُودِهِ، وَعَدَمِهِ، وَعَدَمُ الْقَصْدِ فِي النَّائِمِ مُدْرَكٌ بِلَا حَرَجٍ، وَكَذَا عَدَمُ الرِّضَى فِي الْمُكْرَهِ.

(قَوْلُهُ: كَالْبَيْعِ) فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ الْقَصْدَ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ، وَيَعْتَمِدُ الرِّضَى لِكَوْنِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَبْتَنِي عَلَى الْقَصْدِ دُونَ الرِّضَى فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِعْت هَذَا الشَّيْءَ مِنْكَ بِكَذَا، وَقَبِلَهُ الْمُخَاطَبُ، وَصَدَّقَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>