للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا التَّعْيِينِ فِي الْإِثْمِ فَقَطْ أَيْ إنْ أَخَّرَ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ كَانَ آثِمًا لَكِنْ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ التَّعْيِينِ فِي بُطْلَانِ اخْتِيَارِهِ لَمَّا اخْتَارَ جِهَةَ التَّقْصِيرِ وَالْإِثْمِ بِأَنْ أَدْرَكَ الْوَقْفَةَ وَلَمْ يَنْوِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بَلْ نَوَى النَّفَلَ.

(وَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَقْتُ يُشْبِهُ الْمِعْيَارَ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمِعْيَارٍ لِمَا قُلْنَا، وَلِأَنَّ أَفْعَالَهُ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِالْوَقْتِ) بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْوَقْتِ، فَإِنَّ الْمِعْيَارَ هُوَ مَا يُقَدَّرُ الشَّيْءُ بِهِ كَالْمِكْيَالِ وَنَحْوِهِ.

(فَإِنْ تَطَوَّعَ) هَذَا جَوَابُ إذَا فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَقْتُ (وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَصِحُّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ إشْفَاقًا عَلَيْهِ، فَإِنَّ هَذَا) أَيْ التَّطَوُّعَ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ (مِنْ السَّفَهِ فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ يُحْجَرُ عَنْ نِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ فَبَقِيَتْ النِّيَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَهِيَ كَافِيَةٌ.

(عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ، وَبِلَا نِيَّةٍ كَمَنْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ قُلْنَا: الْحَجْرُ يُفَوِّتُ الِاخْتِيَارَ، وَلَا عِبَادَةَ بِدُونِهِ أَمَّا الْإِطْلَاقُ فَفِيهِ دَلَالَةُ التَّعْيِينِ إذْ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَقْصِدَ النَّفَلَ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَالْإِحْرَامُ غَيْرُ مَقْصُودٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ كَمَنْ أَحْرَمَ

ــ

[التلويح]

عِنْدَهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ الرَّاجِحَ فِي الِاعْتِبَارِ هُوَ الْمِعْيَارِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالظَّرْفِيَّةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(قَوْلُهُ احْتِرَازًا عَنْ الْفَوْتِ) يَعْنِي أَنَّ التَّعْيِينَ هُنَا ثَبَتَ بِعَارِضِ خَوْفِ الْمَوْتِ لَا أَنَّهُ أَمْرٌ أَصْلِيٌّ فَأَثَرُ التَّعْيِينِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي حُرْمَةِ التَّأْخِيرِ وَحُصُولِ الْإِثْمِ لَا فِي انْتِفَاءِ شَرْعِيَّةِ النَّفْلِ، بِخِلَافِ تَعَيُّنِ رَمَضَانَ لِلْفَرْدِ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ أَصْلِيٌّ ثَبَتَ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الِاسْمِ وَعَدَمِ جَوَازِ النَّفْلِ جَمِيعًا.

(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمِعْيَارٍ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ لَا تَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ وَقْتِهِ، وَلِأَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِالْوَقْتِ يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ لَمْ يُقَدَّرْ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ وَقْتِ كَذَا إلَى وَقْتِ كَذَا كَمَا قُدِّرَ الصَّوْمُ بِكَوْنِهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِذَا لَمْ يُقَدَّرْ بِالْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ الْوَقْتُ مِعْيَارًا، فَإِنْ قُلْت أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ قُلْت الْأَوَّلُ اسْتِدْلَالٌ بِعَدَمِ اللَّازِمِ عَلَى عَدَمِ الْمَلْزُومِ، وَالثَّانِي اسْتِدْلَالٌ بِعَدَمِ الْحَدِّ عَلَى عَدَمِ الْمَحْدُودِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَسْأَلَةَ صِحَّةِ التَّطَوُّعِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ بِمِعْيَارٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِشَبَهِهِ بِالْمِعْيَارِ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ فَذِكْرُهُ فِي مَضْمُونِ الشَّرْطِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي.

[فَصْلٌ الْكُفَّار هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا]

(قَوْلُهُ فَصْلٌ) فِي أَنَّ الْكُفَّارَ هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي آخِرِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَيَانِ الْأَهْلِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: الْكَافِرُ أَهْلُ أَحْكَامٍ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِأَدَائِهَا فَكَانَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِوُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ الَّتِي هِيَ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ الْخِطَابُ بِهَا مَوْضُوعًا عَنْهُ عِنْدَنَا، وَلَزِمَهُ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَمَّا كَانَ أَهْلًا لِأَدَائِهِ وَوُجُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>