للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ أَصْحَابُهُ.

(بَلْ هُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا كَالْوُضُوءِ فَيَصِحُّ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ الْأَمْرِ) ، فَإِنَّ عَقْدَ الرَّفَاقَةِ دَلِيلُ الْأَمْرِ بِالْمُعَاوَنَةِ.

(فَصْلٌ)

هَذَا الْفَصْلُ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ أَمْ لَا، وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي أُصُولِ الْإِمَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَمَّا كَانَ مَهْمَا نَقَلْتُهُ مِنْ أُصُولِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ.

(ذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ يُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ، وَالْعُقُوبَاتِ، وَالْمُعَامَلَاتِ، وَبِالْعِبَادَاتِ فِي حَقِّ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: ٤٢] الْآيَةَ اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مُطْلَقًا إجْمَاعًا أَمَّا بِالْعِبَادَاتِ فَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا فِي حَقِّ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ اتِّفَاقًا أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: ٤٢] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: ٤٣] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: ٤٤] وَأَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ

ــ

[التلويح]

حُكْمِهِ، وَلَمْ يُجْعَلْ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ بِشَرْطِ تَقْدِيمِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ رَأْسُ أَسْبَابِ أَهْلِيَّةِ أَحْكَامِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يُجْعَلَ شَرْطًا مُقْتَضًى، وَقِيلَ إنَّ تَرْجَمَةَ الْفَصْلِ بِمَا ذَكَرَ خَطَأٌ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ مِنْ الْكَافِرِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ مُخَاطَبًا بِهَا بَلْ التَّرْجَمَةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْكُفَّارَ هَلْ يُخَاطَبُونَ بِالتَّوَصُّلِ إلَى فُرُوعِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ تَرْجَمَتَهُ هُوَ أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لِصِحَّةِ الشَّيْءِ كَالْإِيمَانِ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّهَارَةِ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَهَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِوُجُوبِ أَدَائِهِ أَمْ لَا، ثُمَّ صَوَّرُوا الْمَسْأَلَةَ فِي جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ، وَهُوَ تَكْلِيفُ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ تَسْهِيلًا لِلْمُنَاظَرَةِ.

(قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعِبَادَاتِ خَاصَّةً، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُؤَاخَذُونَ بِتَرْكِ الِاعْتِقَادِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْأَمْرِ اعْتِقَادُ اللُّزُومِ وَالْأَدَاءِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الدُّنْيَا فَمَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُهُمْ وَأَنَّ الْأَدَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِ دِيَارِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ أَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِأَدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْأَدَاءِ حَالَ الْكُفْرِ وَلَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُمْ هَلْ يُعَاقَبُونَ فِي الْآخِرَةِ بِتَرْكِ الْعِبَادَاتِ زِيَادَةً عَلَى عُقُوبَةِ الْكُفْرِ كَمَا يُعَاقَبُونَ بِتَرْكِ الِاعْتِقَادِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمِيزَانِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَنَّ تَكْلِيفَهُمْ بِالْفُرُوعِ إنَّمَا هُوَ لِتَعْذِيبِهِمْ بِتَرْكِهَا كَمَا يُعَذَّبُونَ بِتَرْكِ الْأُصُولِ فَظَهَرَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ هُوَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى تَرْكِ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِتَرْكِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ.

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: ٤٢] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: ٤٣] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: ٤٤] أَوْرَدَ الْآيَةَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْعَادَاتِ فِي حَقِّ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَبَّهْنَاكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>