الْأَدَاءِ فِي الدُّنْيَا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ (أَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأَدَاءِ) فَكَذَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَا يُؤَاخَذُونَ عَلَى تَرْكِهَا، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يَصْلُحُ مُخَفِّفًا، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا مَعَ الْكُفْرِ.
(جَوَابُ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدًّا بِهَا مَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَائِدَةٌ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الْإِيمَانِ كَالْجُنُبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِشَرْطِ الطَّهَارَةِ لَا عِنْدَ مَشَايِخِ دِيَارِنَا) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ فَكَذَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ (لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ» الْحَدِيثَ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ فَرْضِيَّةَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مُخْتَصَّةٌ بِتَقْدِيرِ الْإِجَابَةِ فَعَلَى تَقْدِيمِ عَدَمِ الْإِجَابَةِ لَا تُفْرَضُ أَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ لَا أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ.
(وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ لِنَيْلِ الثَّوَابِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ، وَلَيْسَ فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ عَنْهُمْ تَخْفِيفٌ بَلْ تَغْلِيظٌ، وَنَظِيرُهُ أَنَّ الطَّبِيبَ لَا يَأْمُرُ الْعَلِيلَ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ عِنْدَ الْيَأْسِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ فَكَذَا هَاهُنَا، وَقَدْ ذَكَرَ) أَيْ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(أَنَّ عُلَمَاءَنَا لَمْ
ــ
[التلويح]
عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْوِفَاقِ لَيْسَ هُوَ الْمُؤَاخَذَةُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى تَرْكِ الْأَعْمَالِ بَلْ عَلَى تَرْكِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ، فَالْآيَةُ تَمَسُّكٌ لِلْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى تَرْكِ الْأَعْمَالِ أَيْضًا، وَلِذَا أَجَابَ عَنْهُ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ نَكُنْ مِنْ الْمُعْتَقِدِينَ فَرْضِيَّةَ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْعَذَابُ عَلَى تَرْكِ الِاعْتِقَادِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَجَازٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ، فَإِنْ قِيلَ لَا حُجَّةَ فِي الْآيَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ فِي إضَافَةِ الْعَذَابِ إلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تَكْذِيبُهُمْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣] وَ {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} [النحل: ٢٨] وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ تَرَكُوا الصَّلَاةَ حَالَ رِدَّتِهِمْ قُلْنَا: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَصْدِيقُهُمْ فِيمَا قَالُوا وَتَحْذِيرُ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ كَانَ كَذِبًا لَمَا كَانَ فِي الْآيَةِ فَائِدَةٌ، وَتَرْكُ التَّكْذِيبِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ الْعَقْلُ مُسْتَقِلًّا بِكَذِبِهِ كَمَا فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَاهُنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْمُجْرِمُونَ عَامٌّ لَا مُخَصِّصَ لَهُ بِالْمُرْتَدِّينَ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ) مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةَ فِي حَقِّ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ هُوَ الْأَمْرُ بِالْإِعْلَامِ لَا نَفْسُ الْفَرْضِيَّةِ.
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ لِنَيْلِ الثَّوَابِ) أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِنَيْلِ الثَّوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ بِهِ وَلِاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ فَالْكُفَّارُ إنْ تَوَصَّلُوا إلَى الْمَأْمُورِ بِهِ بِتَحْصِيلِ شَرَائِطِهِ فَالثَّوَابُ وَإِلَّا فَالْعِقَابُ وَعَدَمُ الْأَهْلِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ تَحْصِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute