للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنُصُّوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَكِنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَدَلُّوا مِنْ مَسَائِلِهِمْ عَلَى هَذَا، وَعَلَى الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَاسْتَدَلَّ الْبَعْضُ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ صَلَاةِ الرِّدَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّلَاةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُخَاطَبٌ بِهَا.

(وَالْبَعْضُ بِأَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَعَلَيْهِ الْأَدَاءُ خِلَافًا لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ يَنْعَدِمُ بِالرِّدَّةِ، وَصِحَّةُ مَا مَضَى كَانَتْ بِنَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخِطَابِ فَإِذَا عُلِمَ الْخِطَابُ عُدِمَ صِحَّةُ مَا مَضَى (فَبَطَلَ ذَلِكَ الْأَدَاءُ فَإِذَا أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ، وَجَبَ ابْتِدَاءً، وَعِنْدَهُ الْخِطَابُ بَاقٍ فَلَا يَبْطُلُ الْأَدَاءُ، وَالْبَعْضُ فَرَّعُوهُ عَلَى أَنَّ الشَّرَائِعَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ، وَهُمْ يُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ فَقَطْ) فَلَا يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْإِيمَانِ، وَيُخَاطَبُونَ عِنْدَهُ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِيمَانِ عِنْدَهُ.

(وَالْكُلُّ ضَعِيفٌ) فَاحْتَجَّ عَلَى ضَعْفِ الِاسْتِدْلَالِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] فَسُقُوطُ الْقَضَاءِ عِنْدَنَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا لَكِنْ سَقَطَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا} [الأنفال: ٣٨] الْآيَةَ، وَاحْتَجَّ عَلَى ضَعْفِ الِاسْتِدْلَالِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَلِأَنَّ الْمُؤَدَّى إنَّمَا بَطَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[التلويح]

الشَّرْطِ أَعْنِي الْإِيمَانَ، وَأَيْضًا مَنْقُوضٌ بِالْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لِنَيْلِ الثَّوَابِ، فَإِنْ قِيلَ الْإِيمَانُ رَأْسُ الطَّاعَاتِ وَأَسَاسُ الْعِبَادَاتِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ شَرْطًا وَتَبَعًا لِوُجُوبِ الْفُرُوعِ أَلَا يُرَى أَنَّ السَّيِّدَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ تَزَوَّجْ أَرْبَعًا لَا تُثْبِتُ الْحُرِّيَّةَ بِذَلِكَ.؟ قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَثْبُتُ وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِالْأَوَامِرِ الْمُسْتَقِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ لَا أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْفُرُوعِ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ عَنْهُمْ تَخْفِيفٌ) جَوَابٌ عَنْ التَّمَسُّكِ الثَّانِي لِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ يَعْنِي أَنَّ سُقُوطَ الْخِطَابِ بِالْأَدَاءِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ لِلتَّخْفِيفِ بَلْ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ أَهْلِيَّةِ ثَوَابِ الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْخِطَابَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي الدُّنْيَا أَوْ لَا تُسَلَّمُ الْمُؤَاخَذَةُ عَلَى تَرْكِ الْعِبَادَةِ بَلْ هُوَ عَيْنُ النِّزَاعِ، وَإِنَّمَا الْمُؤَاخَذَةُ عَلَى تَرْكِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ عَلَى مَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ وَصِحَّةُ مَا مَضَى كَانَتْ بِنَاءً عَلَى الْخِطَابِ) ضَعِيفٌ إذْ الصِّحَّةُ إنَّمَا تُبْتَنَى عَلَى وُرُودِ الْخِطَابِ وَتَعَلُّقِهِ لَا عَلَى بَقَاءِ تَعَلُّقِهِ كَيْفَ وَالْأَدَاءُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا هُوَ لِسُقُوطِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ فِي حَقِّ الْمُؤَدِّي.

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ} [المائدة: ٥] الْآيَةَ، هُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: ٢١٧] الْآيَةَ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ.

(قَوْلُهُ عِنْدَنَا) لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُخَاطَبُونَ بِالْعُقُوبَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بَلْ هُوَ لِتَحْقِيقِ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>