(وَالْمِلْكُ بِالْغَصْبِ لَا يَثْبُتُ مَقْصُودًا بَلْ شَرْطًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ الضَّمَانُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْغَصْبَ لَا يُفِيدُ مِلْكًا مَقْصُودًا بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْمَغْصُوبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ صَارَ مِلْكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْمَغْصُوبُ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ هَذَا لَا يَجُوزُ، ثُمَّ وَرَدَ عَلَى هَذَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ ضَمَانَ الْمُدَبَّرِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَعَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ مِلْكِهِ فَأَجَابَ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ.
(وَالْمُدَبَّرُ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى تَحْقِيقًا لِلضَّمَانِ لَكِنْ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ ضَرُورَةً لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ) أَيْ الْمُدَبَّرُ يَخْرُجُ
ــ
[التلويح]
ثَابِتَةٍ فِي زَعْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ إبَاحَتَهَا وَتَمَلُّكَهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَكَانُوا فِي حَقِّ الْخِطَابِ بِثُبُوتِ عِصْمَةِ أَمْوَالِنَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخِطَابُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ اسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَيْهَا كَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى الصَّيْدِ، وَلَمَّا كَانَ هُنَا مَظِنَّةُ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِصْمَةَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي زَعْمِهِمْ بَلْ هُمْ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجْحَدُونَ عِنَادًا أَشَارَ إلَى جَوَابٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْعِصْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ مَا دَامَ الْمَالُ مُحَرَّزًا بِالْيَدِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ بِالدَّارِ، وَبَعْدَ اسْتِيلَائِهِمْ وَإِحْرَازِهِمْ إيَّاهُ بِدَارِ الْحَرْبِ قَدْ زَالَ الْإِحْرَازُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْعِصْمَةِ فَسَقَطَتْ الْعِصْمَةُ فَلَمْ يَبْقَ الِاسْتِيلَاءُ مَحْظُورًا، وَالِاسْتِيلَاءُ فِعْلٌ مُمْتَدٌّ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَصَارَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ ابْتِدَاءً فَيَمْلِكُهُ كَالْمُسْلِمِ لِلصَّيْدِ.
(قَوْلُهُ وَسَفَرُ الْمَعْصِيَةِ) لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ لِذَاتِهِ وَلَا لِجُزْئِهِ بَلْ لِمُجَاوِرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ.
[فَصْلٌ اخْتَلَفُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هَلْ لَهُمَا حُكْمٌ فِي الضِّدِّ أَمْ لَا]
(قَوْلُهُ فَصْلٌ اخْتَلَفُوا) فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَبِالْعَكْسِ، وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي الْمَفْهُومَيْنِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَفْهُومَ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ مُخَالِفٌ لِمَفْهُومِ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا فِي اللَّفْظَيْنِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ افْعَلْ وَصِيغَةَ النَّهْيِ لَا تَفْعَلْ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ إذَا أُمِرَ بِهِ فَهَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ الشَّيْءِ الْمُضَادِّ لَهُ فَقِيلَ إنَّهُ لَيْسَ نَفْسَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا مُتَضَمِّنًا لَهُ عَقْلًا، وَقِيلَ نَفْسُهُ وَقِيلَ يَتَضَمَّنُهُ، ثُمَّ اقْتَصَرَ قَوْمٌ عَلَى هَذَا، وَقَالَ آخَرُونَ إنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ نَفْسُ الْأَمْرِ بِضِدِّهِ، وَقِيلَ يَتَضَمَّنُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَ الْقَوْلَ فِي أَمْرِ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فَجَعَلَهُمَا نَهْيًا عَنْ الضِّدِّ تَحْرِيمًا وَتَنْزِيهًا، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ أَمْرَ الْوُجُوبِ فَجَعَلَهُ نَهْيًا عَنْ الضِّدِّ تَحْرِيمًا دُونَ النَّدْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ الْحُكْمَ بِمَا إذَا اتَّحَدَ الضِّدُّ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ عِنْدَ التَّعَدُّدِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقَاوِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ وَالْمُخْتَارِ، عِنْدَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ ضِدَّ الْمَأْمُورِ بِهِ إنْ كَانَ مُفَوِّتًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute