للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَقِّ؛ لِكَوْنِهِ ضَلَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: ٣٢] وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: ٧] {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: ٨] {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: ٩] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ الْمُزَكَّاةَ يُلْهِمُهَا اللَّهُ الْخَيْرَ لَا الشَّرَّ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَالنَّفْسُ الْمُزَكَّاةُ هِيَ الْمُشَرَّفَةُ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ.

وَأَيْضًا الْعُلَمَاءُ إذَا قَالُوا: أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ قَطْعِيًّا إلَّا وَأَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَيْهِ قَطْعِيًّا فَإِخْبَارُهُمْ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ إخْبَارٌ بِأَنْ قَدْ وَصَلُوا إلَى دَلِيلٍ دَالٍّ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَا يَكُونُ كَلَامُهُمْ إلَّا كَاذِبًا، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ الْمُجْتَهِدُونَ الْكَثِيرُونَ غَايَةَ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَذَلِكَ

ــ

[التلويح]

الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ يُضَلَّلُ جَاحِدُهُ. وَالثَّالِثَةُ: لَا يُضَلَّلُ جَاحِدُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي مِثْلِ هَذَا الْإِجْمَاعِ يَجُوزُ التَّبْدِيلُ) ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا حَتَّى لَوْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى حُكْمٍ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ جَازَ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ التَّفْصِيلُ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْقَطْعِيَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ تَبْدِيلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ يَجُوزُ تَبْدِيلُهُ كَمَا إذَا أَجْمَعَ الْقَرْنُ الثَّانِي عَلَى حُكْمٍ يُرْوَى فِيهِ خِلَافٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ثُمَّ أَجْمَعُوا بِأَنْفُسِهِمْ، أَوْ أَجْمَعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِجَوَازِ أَنْ تَنْتَهِيَ مُدَّةُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُوَفِّقُ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ.

وَمَا يُقَالُ إنَّ انْقِطَاعَ الْوَحْيِ يُوجِبُ امْتِنَاعَ النَّسْخِ فَمُخْتَصٌّ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَحْيِ، وَالْإِجْمَاعُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ تَحَاشَى عَنْ إطْلَاقِ لَفْظِ النَّسْخِ إلَى لَفْظِ التَّبْدِيلِ مُحَافَظَةً عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَوْمِ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ

[الْأَمْرُ الْخَامِسُ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ]

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخَامِسُ فَفِي السَّنَدِ وَالنَّاقِلِ) جَمَعَهُمَا فِي بَحْثٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبٌ. فَالْأَوَّلُ سَبَبُ ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ. وَالثَّانِي سَبَبُ ظُهُورِهِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِجْمَاعُ إلَّا عَنْ سَنَدٍ مِنْ دَلِيلٍ أَوْ أَمَارَةٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ السَّنَدِ يَسْتَلْزِمُ الْخَطَأَ إذْ الْحُكْمُ فِي الدِّينِ بِلَا دَلِيلٍ خَطَأٌ وَيَمْتَنِعُ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى الْخَطَأِ، وَأَيْضًا اتِّفَاقُ الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ يَسْتَحِيلُ عَادَةً كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ.

وَفَائِدَةُ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ وُجُودِ السَّنَدِ سُقُوطُ الْبَحْثِ، وَحُرْمَةُ الْمُخَالَفَةِ، وَصَيْرُورَةُ الْحُكْمِ قَطْعِيًّا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّنَدِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا، وَأَنَّهُ وَقَعَ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ قِيَاسًا عَلَى إمَامَتِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى قِيلَ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمْرِ دِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاهُ لِأَمْرِ دُنْيَانَا. وَذَهَبَ الشِّيعَةُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا جَوَازُ كَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمِيزَانِ، وَأُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْمَذْكُورِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>