بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْمَجْمُوعُ وَأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَحْصُلُ بِالْكَثْرَةِ هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَنُوطًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا بِالْمَجْمُوعِ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالشَّاهِدِ فَإِنَّ كُلَّ أَمْرٍ مَنُوطٍ بِالْكَثْرَةِ كَحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَالْحُرُوبِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الْأَكْثَرَ فِيهِ رَاجِحٌ عَلَى الْأَقَلِّ وَكُلُّ أَمْرٍ مَنُوطٍ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ كَالْمُصَارَعَةِ مَثَلًا فَإِنَّ الْكَثِيرَ لَا يَغْلِبُ الْقَلِيلَ فِيهَا بَلْ رُبَّ وَاحِدٍ قَوِيٍّ يَغْلِبُ الْآلَافَ مِنْ الضِّعَافِ فَكَثْرَةُ الْأُصُولِ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا دَلِيلُ قُوَّةِ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْقُوَّةِ فَتُعْتَبَرُ وَكَثْرَةُ الْأَدِلَّةِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَلِيلٌ هُوَ مُؤَثِّرٌ بِنَفْسِهِ بِلَا مَدْخَلٍ لِوُجُودِ الْآخَرِ أَصْلًا فَإِنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ لَا بِالْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْمَجْمُوعُ بِخِلَافِ الْكَثْرَةِ الَّتِي هِيَ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِالْأَكْثَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْأَكْثَرُ لَا بِكُلِّ وَاحِدٍ، مِنْ الْأَجْزَاءِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فَأَحْكِمْهُ وَفَرِّعْ عَلَيْهِ الْفُرُوعَ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا الْقِيَاسُ بِقِيَاسٍ آخَرَ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فِي قَوْلِهِ: فَلَا يُرَجَّحُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي أَحَدِهِمَا مُغَايِرَةً لِلْعِلَّةِ فِي الْآخَرِ لَكِنَّهُمَا أَدَّيَا إلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ كَمَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الطُّعْمُ، وَعِنْدَ مَالِكٍ الطُّعْمُ وَالِادِّخَارُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ يُوجِبُ حُرْمَةَ بَيْعِ الْحَفْنَةِ مِنْ الْحِنْطَةِ بِحَفْنَتَيْنِ
ــ
[التلويح]
صَاحِبِ الثُّلُثِ بِحَيْثُ يَنْفَرِدُ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَيَسْقُطُ صَاحِبُ السُّدُسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ سَهْمَيْهِمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي اسْتِحْقَاقِ شُفْعَةِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ فِي جَانِبِ صَاحِبِ الثُّلُثِ إلَّا كَثْرَةُ الْعِلَّةِ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ فَعِنْدَنَا يَكُونُ نِصْفُ الْمَبِيعِ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي كُلِّ جَانِبٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَثُلُثٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ أَيْ مَنَافِعِهِ وَثَمَرَاتِهِ كَالثَّمَرَةِ لِلشَّجَرَةِ وَالْوَلَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُشْتَرَكِ فَيُقْسَمُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الدَّارَ الْمَشْفُوعَةَ عِلَّةٌ فَاعِلِيَّةٌ تَثْبُتُ بِهَا الشُّفْعَةُ لَا عِلَّةٌ مَادِّيَّةٌ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْمَعْلُولُ بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرِ وَالْحَيَوَانِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ فِي الْمَعْلُولِ لَيْسَ بِطَرِيقِ التَّوْلِيدِ بَلْ بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ عَقِيبَهُ، فَلَا يَكُونُ تَرَتُّبُ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْمِلْكِ كَتَرَتُّبِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَالْوَلَدِ عَلَى الْحَيَوَانِ، ثُمَّ الشَّارِعُ قَدْ جَعَلَ مَمْنُوعَ الْمِلْكِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ فَتَقْسِيمُ الْحُكْمِ عَلَى أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَجَعْلُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعِلَّةِ عِلَّةً لِجُزْءٍ مِنْ الْمَعْلُولِ نَصْبٌ لِلشَّرْعِ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ فَاسِدٌ
[بَابُ الِاجْتِهَادِ]
(قَوْلُهُ: بَابُ الِاجْتِهَادِ) لَمَّا كَانَ بَحْثُ الْأُصُولِ عَنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَنْبَطُ مِنْهَا الْأَحْكَامُ وَطَرِيقُ ذَلِكَ هُوَ الِاجْتِهَادُ خَتَمَ مَبَاحِثَ الْأَدِلَّةِ بِبَابِ الِاجْتِهَادِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ تَحَمُّلُ الْجَهْدِ أَيْ الْمَشَقَّةِ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute