وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ.
(خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأَخِيرِ) أَيْ فِي ابْنِ عَمٍّ هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ فَإِنَّهُ رَاجِحٌ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى ابْنِ عَمٍّ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ وَيَحْجُبُ الْآخَرَ. (بِخِلَافِ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ بِالْأُخُوَّةِ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِهَةَ) أَيْ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ لِأُمٍّ (تَابِعَةٌ لِلْأُولَى) أَيْ لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ (وَالْحَيِّزُ مُتَّحِدٌ) أَيْ حَيِّزُ الْقَرَابَةِ مُتَّحِدٌ؛ لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ لِأَبٍ وَالْأُخُوَّةَ لِأُمٍّ كُلٌّ مِنْهُمَا أُخُوَّةٌ (فَيَحْصُلُ بِهِمَا) أَيْ بِأُخُوَّةٍ لِأَبٍ وَالْأُخُوَّةِ لِأُمٍّ (هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ بِخِلَافِ الْأُولَيَيْنِ) فَيَصِيرُ مَجْمُوعُ الْأُخُوَّتَيْنِ قَرَابَةً وَاحِدَةً قَوِيَّةً فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْأَضْعَفِ (فَلَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ حِينَئِذٍ هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ) .
هَذِهِ تَفْرِيعَاتٌ عَلَى عَدَمِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الدَّلِيلِ فَالرُّوَاةُ إذَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ لَمْ تَحْصُلْ هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ أَمَّا إذَا بَلَغُوا فَقَدْ حَصَلَ هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ تَمْنَعُ التَّوَافُقَ عَلَى الْكَذِبِ وَقَبْلَ بُلُوغِ هَذَا الْحَدِّ يُحْتَمَلُ كَذِبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّا نُرَجِّحُ بِالْكَثْرَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ وَكَتَرْجِيحِ الصِّحَّةِ عَلَى الْفَسَادِ بِالْكَثْرَةِ فِي صَوْمٍ غَيْرِ مُبَيَّتٍ، وَلَا نُرَجِّحُ بِالْكَثْرَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا لَمْ نُرَجِّحْ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَلَنَا فِي ذَلِكَ فَرْقٌ دَقِيقٌ.
وَهُوَ أَنَّ الْكَثْرَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَحْصُلُ بِهَا هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَنُوطًا
ــ
[التلويح]
إذْ الْمُقَاوِمُ وَاحِدٌ، وَأَمَّا الرُّجُوعُ إلَى السُّنَّةِ، أَوْ الْقِيَاسِ عِنْدَ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ، أَوْ الْحَدِيثَيْنِ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّرْجِيحِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا الْقِيَاسُ بِقِيَاسٍ آخَرَ) يَعْنِي قِيَاسًا يُوَافِقُهُ فِي الْحُكْمِ دُونَ الْعِلَّةِ لِيَكُونَ مِنْ كَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ إذْ لَوْ وَافَقَهُ فِي الْعِلَّةِ كَانَ مِنْ كَثْرَةِ الْأُصُولِ لَا مِنْ كَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ تَعَدُّدُ الْقِيَاسَيْنِ حَقِيقَةً إلَّا عِنْدَ تَعَدُّدِ الْعِلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ وَمَعْنَاهُ الَّذِي بِهِ يَصِيرُ حُجَّةً هِيَ الْعِلَّةُ لَا الْأَصْلُ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) يَعْنِي كَمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا عَلَى الْأَحْكَامِ لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ كَذَلِكَ كُلُّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِقْلَالِهِ لَا يَنْضَمُّ إلَى الْآخَرِ، وَلَا يَتَّحِدُ بِهِ لِيُفِيدَ الْقُوَّةَ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْعِلَلِ الْحِسِّيَّةِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى أَنْ يَسْقُطَ الْآخَرُ بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ عَدَدِ جِرَاحَاتِ الْجَانِينَ عَلَى مَجْرُوحٍ وَاحِدٍ مَاتَ مِنْ جَمِيعِهَا، فَإِنَّ الدِّيَةَ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَبْ أَنَّهُ لَمْ تُعْتَبَرْ الْكَثْرَةُ مُرَجِّحَةً حَتَّى يَلْزَمَ الْإِسْقَاطُ لَكِنْ لِمَ لَمْ تُعْتَبَرْ مُوجِبَةً لِتَوْزِيعِ الدِّيَةِ عَلَى الْجِرَاحَاتِ كَمَا تَعَدَّدَ فِي الْجِنَايَاتِ.
قُلْنَا: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمُوتُ مِنْ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَمُوتُ مِنْ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ، فَلَمْ يَتَعَدَّ بِعَدَدِهَا وَجَعَلَ الْجَمِيعَ بِمَنْزِلَةِ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَمَا فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ وَهِيَ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَلِلثَّالِثِ سُدُسُهَا فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نِصْفَهُ وَطَلَبَ الْآخَرَانِ الشُّفْعَةَ لَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُ