وَكَوْنَهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً.
(فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ} [البقرة: ٢٢٨] ، وَهُوَ فِي مَعْنَى النَّهْيِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِظْهَارِ، وَالْأَمْرُ بِالتَّرَبُّصِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ التَّزَوُّجِ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٥] يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِالْكَفِّ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَيَجْرِي التَّدَاخُلُ فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الْكَفَّ رُكْنُهُ، وَهُوَ مَقْصُودٌ.
(وَأَمَّا الْمَأْمُورُ بِالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ إذَا قَعَدَ ثُمَّ قَامَ لَا يُبْطِلُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، وَالْمُحْرِمُ لَمَّا نُهِيَ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ كَانَ لُبْسُ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ سُنَّةً، وَالسُّجُودُ عَلَى النَّجِسِ لَا يُفْسِدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ حَتَّى إذَا أَعَادَهُ عَلَى الطَّاهِرِ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا لِلنَّجِسِ فِي عَمَلٍ هُوَ فَرْضٌ، وَالتَّطْهِيرُ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي الْأَرْكَانِ فَرْضٌ دَائِمٌ فَيَصِيرُ ضِدُّهُ مُفَوِّتًا) فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تَفْرِيعَاتٌ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَصْلِ، وَبَعْدَ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْأَصْلِ مَعْرِفَةُ هَذِهِ الْفُرُوعِ تَكُونُ سَهْلَةً إنَّهُ الْمُسَهِّلُ لِكُلِّ عَسِيرٍ.
ــ
[التلويح]
أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الطَّاهِرِ مَأْمُورٌ بِهِ فَإِذَا سَجَدَ عَلَى النَّجِسِ لَا يَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الطَّاهِرِ فَتَجُوزُ، وَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا تَفْسُدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ بِدَوَامِ التَّطْهِيرِ فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ، فَاسْتِعْمَالُ النَّجِسِ فِي عَمَلٍ هُوَ فَرْضٌ فِي وَقْتٍ مَا يَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمَقْصُودِ بِالْأَمْرِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي عَمَلٍ هُوَ فَرْضٌ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَيَكُونُ وَضْعُهُمَا عَلَى النَّجِسِ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الْوَضْعِ وَهُوَ لَا يُفْسِدُ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا لِلنَّجِسِ إذَا كَانَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ تَحْقِيقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا إذَا كَانَ فِي مَكَانِ وَضْعِ الْوَجْهِ نَجَسٌ، فَإِنَّ النَّجَاسَةَ تَصِيرُ وَصْفًا لِلْوَجْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اتِّصَالَهُ بِالْأَرْضِ وَلُصُوقَهُ بِهَا فَرْضٌ لَازِمٌ فَيَصِيرُ مَا هُوَ صِفَةٌ لِلْأَرْضِ صِفَةً لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَا لَمْ يَكُنْ اللُّصُوقُ لَازِمًا فَإِنَّهُ لَا يَقْوَى هَذِهِ الْقُوَّةَ، ثُمَّ لَا يَخْفَى لُطْفُ الْإِيهَامِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ الْمُسَهِّلُ لِكُلِّ عَسِيرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute