للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَصْلَحَةُ فِي شَرْعِيَّةِ الْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ وَحَدِّ الزِّنَا وَالْجِهَادِ وَحُرْمَةِ الْمُسْكِرَاتِ، وَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ هُوَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ وَالسَّرِقَةُ وَالْغَصْبُ مَثَلًا وَالزِّنَا وَحَرْبِيَّةُ الْكَافِرِ وَالْإِسْكَارِ، وَإِمَّا مُحْتَاجٌ إلَيْهَا كَمَا فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ فَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ هُوَ الصِّغَرُ، وَالْحُكْمُ شَرْعِيَّةُ التَّزْوِيجِ وَالْحِكْمَةُ وَالْمَصْلَحَةُ كَوْنُ الْمُوَلِّيَةِ تَحْتَ الْكُفْءِ، وَهَذِهِ الْمَصْلَحَةُ لَيْسَتْ ضَرُورِيَّةً لَكِنَّهَا فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَفُوتَ الْكُفْءُ لَا إلَى بَدَلٍ.

وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ ضَرُورِيَّةً وَلَا مُحْتَاجًا إلَيْهَا بَلْ لِلتَّحْسِينِ كَحُرْمَةِ الْقَاذُورَاتِ فَإِنَّهَا حُرِّمَتْ لِنَجَاسَتِهَا وَعُلُوِّ مَنْصِبِ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحْسُنُ تَنَاوُلُهَا، وَالْإِقْنَاعِيُّ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُنَاسِبٌ ثُمَّ إذَا تُؤُمِّلَ يَظْهَرُ خِلَافُهُ كَنَجَاسَةِ الْخَمْرِ لِبُطْلَانِ بَيْعِهَا فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا نَجِسَةٌ تُنَاسِبُ الْإِدْلَالَ، وَالْبَيْعُ يَقْتَضِي الْإِعْزَازَ لَكِنَّ مَعْنَى النَّجَاسَةِ كَوْنُهَا مَانِعَةً مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ.

(وَالْحِكْمَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِي كُلِّ فَرْدٍ لِخَفَائِهَا، وَعَدَمِ انْضِبَاطِهَا بَلْ فِي الْجِنْسِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَى وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ يَدُورُ مَعَهَا) أَيْ: يَدُورُ الْوَصْفُ مَعَ الْحِكْمَةِ.

(أَوْ يَغْلِبُ وُجُودُهَا) أَيْ: وُجُودُ الْحِكْمَةِ (عِنْدَهُ) أَيْ: عِنْدَ الْوَصْفِ وَالْمُرَادُ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِلْحِكْمَةِ دَائِمًا، وَفِي الْأَغْلَبِ (كَالسَّفَرِ مَعَ الْمَشَقَّةِ) أَيْ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَشَقَّةَ هِيَ الْحِكْمَةُ بَلْ الْحِكْمَةُ هِيَ دَفْعُ الضَّرَرِ وَدَفْعُ الضَّرَرِ إنَّمَا

ــ

[التلويح]

إمَّا حَقِيقِيٌّ، وَإِمَّا إقْنَاعِيٌّ، وَأَحَالَهُ عَلَى الْغَيْرِ لِمَا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ عِبَارَةٌ عَنْ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى وَفْقِهِ حُصُولُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ شَرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْصُودُ جَلْبَ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعَ مَفْسَدَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَتْلِ، حُصُولُ مَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْقِصَاصِ، وَهُوَ بَقَاءُ النُّفُوسِ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] .

وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسِّرَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْ: الْمُنَاسِبُ هُوَ الَّذِي إذَا عُرِضَ عَلَى الْعَقْلِ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ حُصُولُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ يَقْبَلُهُ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ الْآمِدِيُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصْلُحُ لِلنَّاظِرِ لَا لِلْمُنَاظِرِ إذْ رُبَّمَا يَقُولُ الْخَصْمُ هَذَا مِمَّا لَا يَتَلَقَّاهُ عَقْلِي بِالْقَبُولِ فَلَا يَكُونُ مُنَاسِبًا بِالنِّسْبَةِ إلَيَّ، وَلَيْسَ الِاحْتِجَاجُ بِقَبُولِ الْغَيْرِ عَلَيَّ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ عَامَّةُ الْعُقُولِ وَلِذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ

[أَبْحَاثٌ فِي الْعِلَّة]

[الْأَوَّلُ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ عَدَمُ التَّعْلِيلِ]

(قَوْلُهُ: الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ عَدَمُ التَّعْلِيلِ) اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ فَقِيلَ: الْأَصْلُ عَدَمُ التَّعْلِيلِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ التَّعْلِيلِ وَقِيلَ: الْأَصْلُ التَّعْلِيلُ بِكُلِّ وَصْفٍ صَالِحٍ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ حَتَّى يُوجَدَ مَانِعٌ عَنْ الْبَعْضِ وَقِيلَ الْأَصْلُ التَّعْلِيلُ بِوَصْفٍ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يُمَيِّزُهُ مِنْ بَيْنِ الْأَوْصَافِ، وَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ اشْتَهَرَ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَحْكَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>