للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَحَقَّقُ فِي صُورَةِ وُجُودِ الضَّرَرِ وَوُجُودُ الضَّرَرِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ مَوْجُودَةً ثُمَّ الْمَشَقَّةُ غَالِبَةُ الْوُجُودِ فِي السَّفَرِ فَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ وَهُوَ الرُّخْصَةُ عَلَى الْوَصْفِ وَهُوَ السَّفَرُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِلْحِكْمَةِ الَّتِي هِيَ دَفْعُ الضَّرَرِ فِي الْأَغْلَبِ.

(وَهُنَا أَبْحَاثٌ: الْأَوَّلُ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ عَدَمُ التَّعْلِيلِ) عِنْدَ الْبَعْضِ إلَّا بِدَلِيلٍ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ عَلَيْكُمْ» فَتَعْلِيلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّصَّ مُعَلَّلٌ، وَأَنَّ عَدَمَ نَجَاسَتِهَا مُعَلَّلٌ بِالطَّوَافِ (لِأَنَّ النَّصَّ مُوجِبٌ بِصِيغَتِهِ لَا بِالْعِلَّةِ؛ وَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِكُلِّ الْأَوْصَافِ مُحَالٌ، وَبِالْبَعْضِ مُحْتَمَلٌ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ هِيَ مُعَلَّلَةٌ بِكُلِّ وَصْفٍ إلَّا لِمَانِعٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَصْفٍ صَالِحٌ لِهَذَا) أَيْ: لِلتَّعْلِيلِ.

(وَالنَّصُّ مُظْهِرٌ لِلْحُكْمِ وَالْعِلَّةُ دَاعِيَةٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّ النَّصَّ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ بِصِيغَتِهِ إلَّا بِالْعِلَّةِ أَيْ: نَعَمْ أَنَّ النَّصَّ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُظْهِرٌ لِلْحُكْمِ بِصِيغَتِهِ لَا أَنَّهُ دَاعٍ بَلْ الدَّاعِي إلَى الْحُكْمِ هُوَ الْعِلَّةُ.

(وَالتَّعْلِيلُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ) جَوَابٌ آخَرُ عَنْ قَوْلِهِ: أَنَّ النَّصَّ مُوجِبٌ بِصِيغَتِهِ أَيْ: نَعَمْ أَنَّ النَّصَّ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ بِصِيغَتِهِ فِي الْأَصْلِ لَا فِي الْفَرْعِ بَلْ فِي الْفَرْعِ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ بِسَبَبِ الْعِلَّةِ، وَنَحْنُ إنَّمَا نُعَلِّلُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ لَا فِي الْأَصْلِ.

(وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُعَلَّلَةٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ مُمَيِّزٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَوْصَافِ مُتَعَدٍّ، وَبَعْضَهَا قَاصِرٌ فَلَوْ عَلَّلَ بِكُلِّ وَصْفٍ يَلْزَمُ التَّعْدِيَةُ وَعَدَمُهَا وَعِنْدَنَا لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ: مَعَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّصَّ مُعَلَّلٌ فِي الْجُمْلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ النُّصُوصِ الْغَيْرِ الْمُعَلَّلَةِ

ــ

[التلويح]

هُوَ التَّعَبُّدُ دُونَ التَّعْلِيلِ.

وَالْمُخْتَارُ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يُمَيِّزُ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ وَمَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ قَبْلَ التَّعْلِيلِ وَالتَّمْيِيزِ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا النَّصِّ الَّذِي يُرَادُ اسْتِخْرَاجُ عِلَّتِهِ مُعَلَّلٌ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ دُونَ الْإِلْزَامِ وَفِي الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ.

وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّصَّ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ بِصِيغَتِهِ لَا بِعِلَّتِهِ إذْ الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ لَيْسَتْ مِنْ مَدْلُولَاتِ النَّصِّ، وَبِالتَّعْلِيلِ يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ مِنْ الصِّيغَةِ إلَى الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الصِّيغَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَأَيْضًا التَّعْلِيلُ إمَّا بِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ وَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّعْدِيَةُ، وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ جَمِيعِ أَوْصَافِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ ضَرُورَةُ التَّغَايُرِ وَالتَّمَايُزِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِمَّا بِالْبَعْضِ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَصْفٍ عَيَّنَهُ الْمُجْتَهِدُ مُحْتَمِلٌ لِلْعِلِّيَّةِ وَعَدَمِهَا، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يُرَجِّحُ الْبَعْضَ.

فَإِنْ قِيلَ هَاهُنَا قِسْمٌ آخَرُ هُوَ التَّعْلِيلُ بِكُلِّ وَصْفٍ قُلْنَا إمَّا أَنْ يُرَادَ كُلُّ وَصْفٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَسْتَلْزِمُ تَعْدِيَةَ الْحُكْمِ إلَى جَمِيعِ الْمَحَالِّ إذْ مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إلَّا وَبَيْنَهُمَا مُشَارَكَةٌ مَا فِي وَصْفٍ مَا، أَوْ يُرَادَ كُلُّ وَصْفٍ صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ، وَإِضَافَةِ الْحُكْمِ فَيُفْضِي إلَى التَّنَاقُضِ أَيْ: التَّعْدِيَةِ وَعَدَمِهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَوْصَافِ مُتَعَدٍّ وَبَعْضَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>