نَظِيرُهُ فِي حَدِيثِ الرِّبَا أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» يُوجِبُ التَّعْيِينَ. وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الرِّبَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ تَعْيِينَ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ)
فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (شَرَطَ تَعْيِينَ الْآخَرِ احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْفَضْلِ) فَإِنَّ لِلنَّقْدِ مَزِيَّةً عَلَى النَّسِيئَةِ.
(وَقَدْ وَجَدْنَا هَذَا الْحُكْمَ مُتَعَدِّيًا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِعَيْنِهَا بِشَعِيرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إجْمَاعًا، وَشَرَطَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّقَابُضَ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ فَإِذَا وَجَدْنَاهُ مُعَلَّلًا فِي رِبَا النَّسِيئَةِ نُعَلِّلُهُ فِي رِبَا الْفَضْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي مِنْ الْعِوَضِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً فِي رِبَا الْفَضْلِ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ الْحِنْطَةِ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهَا.
أَمَّا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ، وَهُوَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِعَيْنِهَا بِشَعِيرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ نَسِيئَةً فَشُبْهَةُ الْفَضْلِ قَائِمَةٌ لَا حَقِيقَةُ الْفَضْلِ هَذَا مَا قَالُوا.
ــ
[التلويح]
قَاصِرٌ عَلَى مَا سَيَجِيءُ؛ فَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ هَاهُنَا لِهَذَا الْقِسْمِ.
وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْأَدِلَّةَ قَائِمَةٌ عَلَى حُجِّيَّةِ الْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ نَصٍّ وَنَصٍّ، فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا يُمْكِنُ بِالْكُلِّ وَلَا بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ لِمَا مَرَّ فَتَعَيَّنَ التَّعْلِيلُ بِكُلِّ وَصْفٍ إلَّا أَنْ يَقُومَ مَانِعٌ كَمُخَالَفَةِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ مُعَارَضَةِ أَوْصَافٍ
وَوَجْهُ الثَّالِثِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّعْلِيلُ بِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ لِمَا مَرَّ وَلَا بِكُلِّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ قَاصِرٌ يُوجِبُ حَجْرَ الْقِيَاسِ وَقَصْرَ الْحُكْمِ عَلَى الْأَصْلِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَدٍّ يُوجِبُ التَّعْدِيَةَ إلَى الْفَرْعِ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَتَعَيَّنَ الْبَعْضُ، وَأَيْضًا اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي الْفُرُوعِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْعِلَّةِ يَدُلُّ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ هُوَ الْبَعْضُ دُونَ الْمَجْمُوعِ أَوْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْبَعْضُ مُحْتَمَلٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُمَيِّزٍ، وَاحْتِيَاجُ التَّعْيِينِ وَالتَّمْيِيزِ إلَى الدَّلِيلِ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْأَصْلِ هُوَ التَّعْلِيلُ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ الدَّلِيلِ الثَّانِي عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى جَوَابِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ. وَوَجْهُ الرَّابِعِ ظَاهِرٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ التَّعْلِيلَ بِالْقَاصِرَةِ يُوجِبُ عَدَمَ التَّعْدِيَةِ بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّعْدِيَةَ، وَلَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمَنْصُوصِ فَعَلَى تَقْدِيرِ التَّعْلِيل بِكُلِّ وَصْفٍ ثَبَتَ التَّعْدِيَةُ بِالْمُتَعَدِّيَةِ، وَتَكُونُ الْقَاصِرَةُ لِتَأْكِيدِ الثُّبُوتِ فِي الْأَصْلِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ادَّعَيْتُمْ مِنْ أَنَّ نَصَّ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ مُعَلَّلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالثَّمَنِيَّةِ مَعَ تَعَدِّي وُجُوبِ التَّعْيِينِ إلَى الْمَطْعُومِ.
(قَوْلُهُ: نَظِيرُهُ) أَيْ: نَظِيرُ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ» أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» يُوجِبُ التَّعْيِينَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ التَّعْيِينِ كَالْإِشَارَةِ، وَالْإِحْضَارِ وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الرِّبَا أَيْضًا أَيْ: وُجُوبُ التَّعْيِينِ مِنْ بَابِ مَنْعِ الرِّبَا، وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَوُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ تَعْيِينَ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ شَرَطَ فِي بَابِ الصَّرْفِ تَعْيِينَ الْبَدَلَيْنِ جَمِيعًا احْتِرَازًا عَنْ شُبْهَةِ الْفَضْلِ الَّذِي هُوَ رِبًا.
كَمَا شَرَطَ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْقَدْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute