وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ هَذَا الشَّرْطِ، وَهُوَ كَوْنُ هَذَا النَّصِّ مُعَلَّلًا فِي الْجُمْلَةِ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ إنْ تَوَقَّفَ عَلَى تَعْلِيلٍ آخَرَ فَالتَّعْلِيلُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إنْ تَوَقَّفَ عَلَى تَعْلِيلٍ آخَرَ يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ يَثْبُتُ أَنَّ بَعْضَ التَّعْلِيلَاتِ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّا لَمَّا شَرَطْنَا فِي الْعِلَّةِ التَّأْثِيرَ، وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ جِنْسَ هَذَا الْوَصْفِ أَوْ نَوْعَهُ فِي جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ أَوْ نَوْعِهِ لَا يَثْبُتُ التَّأْثِيرُ إلَّا وَأَنْ يَثْبُتَ كَوْنُ هَذَا النَّصِّ مِنْ النُّصُوصِ الْمُعَلَّلَةِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ جِنْسَ هَذَا الْوَصْفِ أَوْ نَوْعَهُ فِي جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ أَوْ نَوْعِهِ ثَبَتَ
ــ
[التلويح]
احْتِرَازًا عَنْ حَقِيقَةِ الْفَضْلِ وَقَدْ وَجَدْنَا وُجُوبَ التَّعْيِينِ مُتَعَدِّيًا عَنْ بَيْعِ النَّقْدَيْنِ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى وَجَبَ التَّعْيِينُ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا بِشَعِيرٍ لَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْحُلُولِ وَذِكْرِ الْأَوْصَافِ، وَحَتَّى شَرَطَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ لِيَحْصُلَ التَّعْيِينُ فَثَبَتَ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَعْدِيَةِ وُجُوبِ التَّعْيِينِ إلَى غَيْرِ النَّقْدَيْنِ أَنَّ نَصَّ الرِّبَا مُعَلَّلٌ فِي حَقِّ وُجُوبِ التَّعْيِينِ إذْ لَا تَعْدِيَةَ بِدُونِ التَّعْلِيلِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلًا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ حَتَّى يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ؛ لِأَنَّ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ مَبْنَى تَعْدِيَةِ وُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ أَشَدُّ ثُبُوتًا وَتَحَقُّقًا مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ وَهُوَ مَبْنَى تَعْدِيَةِ وُجُوبِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْفَضْلِ بِاعْتِبَارِ مَزِيَّةِ النَّقْدِ عَلَى النَّسِيئَةِ، وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ أَوْلَى بِالثُّبُوتِ مِنْ شُبْهَتِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعْلِيلَ هَذَا النَّصِّ فِي رِبَا النَّسِيئَةِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ مُعَلَّلًا فِي رِبَا الْفَضْلِ، وَكَوْنُهُ مُعَلَّلًا فِي رِبَا النَّسِيئَةِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الرِّبَا، وَالرِّيبَةِ» ، وَالْمُرَادُ بِالرِّيبَةِ شُبْهَةُ الرِّبَا وَفِي بَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّسِيئَةِ شُبْهَةُ الرِّبَا. فَالدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ النَّصِّ مُعَلَّلًا فِي الْجُمْلَةِ قَدْ يَكُونُ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا، وَقَدْ يَكُونُ تَعْلِيلًا آخَرَ وَيَنْتَهِي بِالْآخِرَةِ إلَى نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُوهِمُ أَنَّ كُلَّ تَعْلِيلٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعْلِيلٍ آخَرَ حَتَّى يُتَوَهَّمَ وُرُودُ الْإِشْكَالِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ لُزُومِ التَّسَلْسُلِ أَوْ اسْتِغْنَاءِ بَعْضِ التَّعْلِيلَاتِ عَنْ كَوْنِ النَّصِّ مُعَلَّلًا.
وَتَقْرِيرُ جَوَابِهِ أَنَّا نَشْتَرِطُ فِي الْعِلَّةِ التَّأْثِيرَ أَيْ: اعْتِبَارَ الشَّارِعِ جِنْسَهُ أَوْ نَوْعَهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ نَوْعِهِ فَكُلَّمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَصْفُ ثَبَتَ تَأْثِيرُهُ، وَكُلَّمَا ثَبَتَ تَأْثِيرُهُ ثَبَتَ كَوْنُ النَّصِّ مُعَلَّلًا فِي الْجُمْلَةِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ عِلَّةً لِنَوْعِ الْحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهُ، أَوْ لِجِنْسِهِ وَعِلَّةُ الْجِنْسِ عِلَّةٌ لِلنَّوْعِ، وَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّ اسْتِخْرَاجَ الْعِلَّةِ وَاعْتِبَارَ كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً أَوْ غَيْرَ مُؤَثِّرَةٍ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ النَّصِّ مُعَلَّلًا فَإِثْبَاتُ ذَلِكَ بِهِ دَوْرٌ.
(قَوْلُهُ هَذَا مَا قَالُوا) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِمَا تَوَهَّمَ مِنْ وُرُودِ الْإِشْكَالِ؛ وَلِأَنَّ إثْبَاتَ التَّعْلِيلِ فِي رِبَا النَّسِيئَةِ كَافٍ وَكَوْنِ النَّصِّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute