عَدَمَ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمَجْنُونِ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْحَجْرِ وَالْحَجْرُ إنَّمَا شُرِعَ بِطَرِيقِ النَّظَرِ، وَلَا نَظَرَ فِي الْحَجْرِ عَنْ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ فَلَا يَصِحُّ الْحَجْرُ عَنْهُ، فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ صِحَّتِهِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْحَجْرِ (وَيَصِحُّ تَبَعًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ (وَإِذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى وَلِيِّهِ، وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ، وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْأَفْعَالِ فِي الْأَمْوَالِ لِمَا قُلْنَا فِي الصَّبِيِّ) فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: فَحُقُوقُ الْعِبَادِ مَا كَانَ مِنْهَا غُرْمًا وَعِوَضًا يَجِبُ (وَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَهْلٌ لَكِنَّ هَذَا الْعَارِضَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ وَأَمَّا مَا هُوَ مِنْ الْأَقْوَالِ فَتَفْسُدُ عِبَارَاتُهُ) .
وَمِنْهَا الصِّغَرُ إنَّمَا جَعَلَ الصِّغَرَ مِنْ الْعَوَارِضِ مَعَ أَنَّهُ حَالَةٌ أَصْلِيَّةٌ لِلْإِنْسَانِ فِي مَبْدَأِ الْفِطْرَةِ؛ لِأَنَّ الصِّغَرَ لَيْسَ لَازِمًا لِمَاهِيَّةِ الْإِنْسَانِ إذْ مَاهِيَّةُ الْإِنْسَانِ لَا تَقْتَضِي الصِّغَرَ فَنَعْنِي بِالْعَوَارِضِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ هَذَا الْمَعْنَى أَيْ: حَالَةً لَا تَكُونُ لَازِمَةً لِلْإِنْسَانِ، وَتَكُونُ مُنَافِيَةً لِلْأَهْلِيَّةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ لِحَمْلِ أَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ، وَلِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْأَصْلُ أَنْ يَخْلُقَهُ عَلَى صِفَةٍ تَكُونُ وَسِيلَةً إلَى حُصُولِ مَا قَصَدَهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَبْدَأِ الْفِطْرَةِ وَافِرَ الْعَقْلِ تَامَّ الْقُدْرَةِ كَامِلَ الْقُوَى، وَالصِّغَرُ حَالَةٌ مُنَافِيَةٌ لِهَذِهِ
ــ
[التلويح]
الْوَلِيِّ، وَلَا بَيْعُهُ، وَلَا شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِدُونِ إذْنِ الْوَلِيِّ، وَيُطَالَبُ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ بِالْإِتْلَافِ، لَا بِالْعُقُودِ كَثَمَنِ الْمُشْتَرَى، وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَاتُ، وَالْعِبَادَاتُ، وَفِي التَّقْوِيمِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ احْتِيَاطًا.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ امْرَأَةَ الْمَعْتُوهِ إذَا أَسْلَمَتْ لَا يُؤَخَّرُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ) عَلَى الْمَعْتُوهِ إلَى كَمَالِ الْعَقْلِ هَذَا الِاسْتِدْرَاكَ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْتُوهِ، وَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي عَدَمِ تَأْخِيرِ عَرْضِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُمَا صَحِيحٌ فَصَحَّ خِطَابُهُمَا، وَإِلْزَامُهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ الْعَبْد، وَهُوَ الزَّوْجَةُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُمَا خِطَابُ الْأَدَاءِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً، وَإِنَّمَا التَّأْخِيرُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ خَاصَّةً كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَغَيْرِهِ
[النِّسْيَانُ]
. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا النِّسْيَانُ) ، وَهُوَ عَدَمُ مَا فِي الصُّورَةِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَ الْعَقْلِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْمُلَاحَظَةُ فِي الْجُمْلَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ، وَيُسَمَّى هَذَا ذُهُولًا، وَسَهْوًا أَوْ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا إلَّا بَعْدَ تَجَشُّمِ كَسْبٍ جَدِيدٍ، وَهَذَا هُوَ النِّسْيَانُ فِي عُرْفِ الْحُكَمَاءِ، وَالنِّسْيَانُ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ لِبَقَاءِ الْقُدْرَةِ بِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَيَكُونُ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ لِحَاجَتِهِمْ لَا لِلِابْتِلَاءِ، وَبِالنِّسْيَانِ لَا يَفُوتُ هَذَا الِاحْتِرَامُ فَلَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ نَاسِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَأَمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ الْمَرْءُ فِي النِّسْيَانِ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ كَالْأَكْلِ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ لَمْ يَتَذَكَّرْ مَعَ وُجُودِ الْمُذَكِّرِ، وَهُوَ هَيْئَةُ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا، وَإِمَّا لَا بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ، فَيَكُونُ عُذْرًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ مَا يَكُونُ دَاعِيًا إلَى النِّسْيَانِ، وَمُنَافِيًا لِلتَّذَكُّرِ كَالْأَكْلِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute