يُصَرِّحُوا بِهَذَا الْمَذْهَبِ لَكِنْ قَالُوا فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ إنَّ إثْبَاتَ الْإِلَهِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ فَفَهِمْت مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَذْهَبُهُمْ هُوَ الثَّالِثَ، وَهُوَ أَنَّ الْعَشَرَةَ إلَّا ثَلَاثَةً مَوْضُوعَةٌ لِلسَّبْعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْغَيْرَ الْعَدَدِيِّ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ كَالتَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا غَيْرُ اللَّهِ مَوْجُودٌ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْوَصْفِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ، فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ فَعُلِمَ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ لَيْسَ هَذَا الثَّالِثَ، وَأَنَّهُمْ شَبَّهُوا الِاسْتِثْنَاءَ بِالْغَايَةِ، وَيَقُولُونَ: إنَّ حُكْمَ مَا بَعْدِ الْغَايَةِ يُخَالِفُ حُكْمَ مَا قَبْلَ الْغَايَةِ، وَلَيْسَ مَذْهَبُهُمْ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ عَلَى الْأَوَّلِ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ لَا بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ.
فَعُلِمَ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْغَيْرِ الْعَدَدِيِّ هُوَ الثَّانِي بِحُكْمِ الْعُرْفِ (وَهَذَا مُنَاسِبًا لِمَا قَالَ
ــ
[التلويح]
بِالْعَدَمِ، وَالنَّفْيِ بِالْوُجُودِ كَمَا يَنْتَهِي بِالْغَايَةِ أَصْلُ الْكَلَامِ وَلَزِمَ مِنْ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ إثْبَاتُ الْغَايَةِ فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْإِثْبَاتِ، وَالنَّفْيِ فِي الْمُسْتَثْنَى ثَابِتًا بِدَلَالَةِ اللُّغَةِ كَالصَّدْرِ إلَّا أَنَّ حُكْمَ الصَّدْرِ ثَابِتٌ قَصْدًا، وَعِبَارَةً، وَحُكْمُ الْمُسْتَثْنَى ضِمْنًا وَإِشَارَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُفَرَّغِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مِثْلَ مَا جَاءَنِي إلَّا زَيْدٌ، وَمَا زَيْدٌ إلَّا قَائِمٌ مَسُوقٌ لِإِثْبَاتِ مَجِيءِ زَيْدٍ وَقِيَامِهِ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ وَأَوْكَدِهِ حَتَّى قَالُوا: إنَّهُ تَأْكِيدٌ عَلَى تَأْكِيدٍ.
(قَوْلُهُ: بِحُكْمِ الْعُرْفِ) يَعْنِي: أَنَّ الْعُرْفَ شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُفِيدُ إثْبَاتَ حُكْمٍ مُخَالِفٍ لِلصَّدْرِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ دُونَ الْعِبَارَةِ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُهُ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ وَدُونَ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ أَصْلًا إلَّا أَنَّ الْكَلَامَ فِي ثُبُوتِ هَذَا الْعُرْفِ، وَفَرْقِهِ بَيْنَ الْعَدَدِيِّ وَغَيْرِهِ، وَأَيْضًا مَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا، وَبِالْعَكْسِ مَنْطُوقٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا مُنَاسِبٌ) يَعْنِي فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْغَيْرَ الْعَدَدِيِّ يُفِيدُ النَّفْيَ، وَالْإِثْبَاتَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْإِجْمَاعَاتِ الْأَرْبَعَةِ، الْأَوَّلُ مَا قَالَ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ فِي إفَادَةِ مَا، وَإِلَّا لِلْقَصْرِ مِثْلَ مَا جَاءَنِي إلَّا زَيْدٌ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَوْضُوعٌ لِنَفْيِ التَّشْرِيكِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْمُسْتَثْنَى فِي الْحُكْمِ غَيْرُهُ مِنْ أَفْرَادِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّخْصِيصُ أَيْ: إثْبَاتُ الْحُكْمِ لِلْمُسْتَثْنَى وَنَفْيُهُ عَمَّا سِوَاهُ، وَهُوَ مَعْنَى الْقَصْرِ الثَّانِي، إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهُ إخْرَاجٌ أَيْ: لِلْمُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ.
الثَّالِثُ: إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّهُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي أَيْ: قَصْدٌ إلَى الْحُكْمِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْأَفْرَادِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى إثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا. الرَّابِعُ: إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ أَيْ: ضِمْنًا، وَإِشَارَةً لَا قَصْدًا، وَعِبَارَةً
[مَسْأَلَةٌ شَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ]
(قَوْلُهُ: مَسْأَلَةُ شَرْطِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ) الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْتَثْنَى قَصْدًا وَحَقِيقَةً عَلَى تَقْدِيرِ السُّكُوتِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ لَا تَبَعًا، وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute