للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُلَمَاءُ الْبَيَانِ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وُضِعَ لِنَفْيِ التَّشْرِيكِ، وَالتَّخْصِيصُ يُفْهَمُ مِنْهُ، وَلِمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: إنَّهُ إخْرَاجٌ وَتَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَبِالْعَكْسِ فَيَكُونُ إخْرَاجًا مِنْ الْأَفْرَادِ وَتَكَلُّمًا بِالْبَاقِي فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَنَفْيًا، وَإِثْبَاتًا بِالْإِشَارَةِ، وَفِي الْعَدَدِيِّ ذَهَبُوا إلَى الْأَخِيرِ حَتَّى قَالُوا فِي إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةٌ فَكَذَا وَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا خَمْسِينَ لَا يَحْنَثُ) فَعَلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ هُوَ كَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ لِي فَوْقَ الْمِائَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِائَةِ.

(وَلَوْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ) .

(مَسْأَلَةٌ) شَرْطُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا أَوْجَبَهُ الصِّيغَةُ قَصْدًا لَا مِمَّا يَثْبُتُ بِهَا ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ فَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: (لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ لَا لِأَنَّهُ مِنْ الْخُصُومَةِ فَيَكُونُ ثَابِتًا بِالْوَكَالَةِ ضِمْنًا، فَلَا يُسْتَثْنَى إلَّا أَنْ يَنْقُضَ الْوَكَالَةَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ: لَكِنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْوَكَالَةَ.

(وَيَصِحُّ

ــ

[التلويح]

تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَقْتَصِرُ عَمَلُهُ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، وَلَا يَعْمَلُ فِيمَا يَثْبُتُ حُكْمًا فَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ، وَاسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ثَبَتَ ضِمْنًا بِوَاسِطَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ لَا بِوَاسِطَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ يَدْخُلُ فِيهَا قَصْدًا حَتَّى يَصِحَّ إخْرَاجُهُ مِنْهَا، فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَلَا إبْطَالُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ إلَّا بِنَقْضِ الْوَكَالَةِ، وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِوَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ الْخُصُومَةَ لَمَّا كَانَتْ مَهْجُورَةً شَرْعًا صَارَ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ تَوْكِيلًا بِالْجَوَابِ عَمَلًا بِالْمَجَازِ فَدَخَلَ فِيهَا الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ قَصْدًا فَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ. الثَّانِي أَنَّهُ بَيَانُ تَقْرِيرٍ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْخُصُومَةِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيَّ الَّذِي هُوَ الْخُصُومَةُ لَا الشَّرْعِيَّ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَاسْتَثْنَى الْإِنْكَارَ قِيلَ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَةٍ أَعْنِي الْمُنَازَعَةَ، وَالْإِنْكَارَ وَمَجَازِهِ أَعْنِي مُطْلَقَ الْجَوَابِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْجَوَابِ شَامِلٌ لِلْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَيَجُوزُ اسْتِثْنَاءً أَيِّهِمَا كَانَ، وَلَا يَلْزَمُ تَعْطِيلُ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَجَازَهُ، وَاسْتَثْنَى بَعْضَ أَفْرَادِ الْمَجَازِ كَمَا يُقَالُ: رَأَيْتُ فِي الْحَمَّامِ الْأُسُودَ إلَّا هَذَا الْأَسَدَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْإِنْكَارِ فِيهِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ نَظَرًا إلَى عُمُومِ الْمَجَازِ، وَالْإِقْرَارُ وَإِنْ كَانَ ضِمْنًا، وَتَبَعًا لِلْإِنْكَارِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَجَازًا عَنْ مُطْلَقِ الْجَوَابِ دَخَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِ بِحَسَبِ الْأَصَالَةِ.

وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارِ لَكِنْ لَا لِلدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ. الْإِقْرَارُ إذْ الْإِنْكَارُ ثَبَتَ بِالْخُصُومَةِ قَصْدًا لَا ضِمْنًا بَلْ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْخُصُومَةِ وَكَالَةٌ بِالْإِنْكَارِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>