للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُجُوبِ فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْمَجَازَ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مَا وُضِعَ لَهُ فَقَدْ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالْجَصَّاصِ مَجَازٌ فِيهِمَا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ حَقِيقَةٌ، وَقَدْ اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا. وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الْمَجَازَ فِي اصْطِلَاحِهِ لَفْظٌ أُرِيدَ بِهِ مَعْنًى خَارِجٌ عَنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ جَزَاءُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُسَمِّيهِ مَجَازًا بَلْ يُسَمِّيهِ حَقِيقَةً قَاصِرَةً، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ أَنَّ مَعْنَى الْإِبَاحَةِ، وَالنَّدْبِ مِنْ الْوُجُوبِ بَعْضُهُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَاصِرٌ لَا مُغَايِرٌ أَمَّا فِي اصْطِلَاحِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَالْمَجَازُ لَفْظٌ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مَا وُضِعَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ جُزْأَهُ أَوْ مَعْنًى خَارِجًا عَنْهُ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ صَحِيحٌ عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

ــ

[التلويح]

الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مُوجَبَ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ هُوَ الْوُجُوبُ فَلِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعُرْفِ، وَاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ يُرِيدُ طَلَبَ الْفِعْلِ مَعَ الْمَنْعِ عَنْ تَرْكِهِ يَطْلُبُهُ بِمِثْلِ صِيغَةِ افْعَلْ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِطَلَبِ الْفِعْلِ جَزْمًا وَهُوَ الْوُجُوبُ، وَأَيْضًا لَمْ يَزَلْ الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي إثْبَاتِ مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ.

(قَوْلُهُ مَسْأَلَةٌ) اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ فِي مُوجَبِ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ بَعْدَ حَظْرِهِ، وَتَحْرِيمِهِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ أَيْضًا لِلْوُجُوبِ بِالدَّلَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ الْوَارِدَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَغَيْرِهِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الدَّلَائِلُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَالْوُرُودُ بَعْدَ الْحَظْرِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ رَفْعُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرِ إلَى الْفَهْمِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْإِبَاحَةِ، وَالْوُجُوبُ أَوْ النَّدْبُ زِيَادَةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ، وَقِيلَ لِلنَّدْبِ كَالْأَمْرِ بِطَلَبِ الرِّزْقِ، وَكَسْبِ الْمَعِيشَةِ بَعْدَ الِانْصِرَافِ عَنْ الْجُمُعَةِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا انْصَرَفْتَ مِنْ الْجُمُعَةِ فَسَاوِمْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِهِ، وَقِيلَ: لِلْإِبَاحَةِ كَالْأَمْرِ بِالِاصْطِيَادِ بَعْدَ الْإِحْلَالِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمِثَالَ الْجُزْئِيَّ لَا يُصَحِّحُ الْقَاعِدَةَ الْكُلِّيَّةَ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ فِي الْآيَتَيْنِ بِمَعُونَةِ الْقَرِينَةِ، وَهِيَ أَنَّ مِثْلَ الْكَسْبِ وَالِاصْطِيَادِ إنَّمَا شُرِعَ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَلَوْ وَجَبَ لَصَارَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] لِلْإِيجَابِ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «طَلَبُ الْكَسْبِ بَعْدَ الصَّلَاةِ هُوَ الْفَرِيضَةُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: ١٠] » الْآيَةَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَلِلْوُجُوبِ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى التَّوَقُّفِ، وَلَيْسَ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ لِلنَّدَبِ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ، وَلَا نِزَاعَ فِي الْحَمْلِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ عِنْدَ انْضِمَامِ الْقَرِينَةِ.

[مَسْأَلَةٌ إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ]

(قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاصُ إنَّهُ مَجَازٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَيْسَ فِي صِيغَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>