للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَسَائِلِ كَالْأَثْمَانِ فَإِنْ قَالَ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِكُرٍّ يَكُونُ بَيْعًا وَفِي بِعْت كُرًّا بِالْعَبْدِ يَكُونُ سَلَمًا فَتُرَاعَى شَرَائِطُهُ وَلَا يَجْرِي الِاسْتِبْدَالُ فِي الْكُرِّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ قَالَ لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي يَجِبُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي (وَفِي إلَّا أَنْ آذَنَ لَا) أَيْ إنْ قَالَ لَا تَخْرُجْ إلَّا أَنْ آذَنَ لَا يَجِبُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ بَلْ إنَّ أَذِنَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَ ثُمَّ خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ قَالُوا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْإِذْنَ مِنْ الْخُرُوجِ لِأَنَّ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَالْإِذْنُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْخُرُوجِ فَلَا يُمْكِنُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْغَايَةِ وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةِ ظَاهِرَةٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إلَى أَنْ

ــ

[التلويح]

اُسْتُعِيرَتْ بِمَعْنَى الْفَاءِ، وَتَأَوَّلَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ بِأَنَّ الْمُرَادَ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ مِثْلُ الْفَاءِ وَثُمَّ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ مُسْتَعَارَةً لِمَا يُفِيدُ مُطْلَقَ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ أَنْسَبُ بِالْغَايَةِ، وَعِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ الْأَخْذُ بِالْمَجَازِ الْأَنْسَبِ أَنْسَبُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ لِمَعْنَى الْفَاءِ أَعْنِي التَّعْقِيبَ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ أَنْسَبُ بِعَيْنِ هَذَا الدَّلِيلِ إذْ الْغَايَةُ لَا تَتَرَاخَى عَنْ الْمُغَيَّا

[حُرُوفُ الْجَرِّ]

(قَوْلُهُ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ) ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، وَإِيصَالُهُ بِهِ مِثْلُ مَرَرْت بِزَيْدٍ إذْ أَلْصَقْت مُرُورَك بِمَكَانٍ يُلَابِسُهُ زَيْدٌ، وَلِلِاسْتِعَانَةِ أَيْ طَلَبِ الْمَعُونَةِ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ مِثْلُ بِالْقَلَمِ كَتَبْت، وَبِتَوْفِيقِ اللَّهِ حَجَجْت، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْإِلْصَاقِ بِمَعْنَى أَنَّك أَلْصَقْت الْكِتَابَةَ بِالْقَلَمِ فَلِكَوْنِهَا لِلِاسْتِعَانَةِ تَدْخُلُ عَلَى الْوَسَائِلِ إذْ بِهَا يُسْتَعَانُ عَلَى الْمَقَاصِدِ كَالْأَثْمَانِ فِي الْبُيُوعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْبَيْعِ هُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَمْلُوكِ، وَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَالثَّمَنُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ مِنْ النُّقُودِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِالذَّاتِ بَلْ بِوَاسِطَةِ التَّوَسُّلِ بِهَا إلَى الْمَقَاصِدِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ، وَفَرَّعَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دُخُولَهَا فِي الْأَثْمَانِ عَلَى كَوْنِهَا لِلْإِلْصَاقِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْإِلْصَاقِ هُوَ الْمُلْصَقُ، وَالْمُلْصَقُ بِهِ تَبَعٌ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ فَتَدْخُلُ الْبَاءُ عَلَى الْأَثْمَانِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ فَلَوْ قَالَ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِكُرٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ يَكُونُ الْعَبْدُ مَبِيعًا، وَالْكُرُّ ثَمَنًا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا، وَلَوْ قَالَ بِعْت كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ بِهَذَا الْعَبْدِ يَكُونُ سَلَمًا، وَيَكُونُ الْعَبْدُ رَأْسَ الْمَالِ وَالْكُرُّ مُسَلَّمًا فِيهِ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّأْجِيلُ، وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَجْزِي الِاسْتِبْدَالُ فِي الْكُرِّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْكُرِّ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاسْتِبْدَالِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَثْمَانِ.

(قَوْلُهُ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِي) مَعْنَاهُ إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرُ لَهُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ عَامٌّ مُنَاسِبٌ لَهُ فِي جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا تَخْرُجْ خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا بِإِذْنِي، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْهَا بَعْضٌ بَقِيَ مَا عَدَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>