للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آذَنَ فَيَكُونُ الْخُرُوجُ مَمْنُوعًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْإِذْنِ وَقَدْ وُجِدَ مَرَّةً فَارْتَفَعَ الْمَنْعُ. أَقُولُ يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَالْمَصْدَرُ قَدْ يَقَعُ حِينًا لِسَعَةِ الْكَلَامِ تَقُولُ آتِيك خُفُوقَ النَّجْمِ أَيْ وَقْتَ خُفُوقِ النَّجْمِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ لَا تَخْرُجْ وَقْتًا إلَّا وَقْتَ إذْنِي فَيَجِبُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَحْنَثُ إنْ خَرَجَ مَرَّةً أُخْرَى بِلَا إذْنٍ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ (وَقَالُوا إنْ دَخَلَتْ الْبَاءُ فِي آلَةِ الْمَسْحِ نَحْوُ مَسَحْت الْحَائِطَ بِيَدَيَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَحَلِّ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّهُ وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الْمَحَلِّ نَحْوَ {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] لَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْمَحَلِّ تَقْدِيرُهُ أَلْصِقُوهَا بِرُءُوسِكُمْ) اعْلَمْ أَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمُنْفَعِلِ فِي وُصُولِ أَثَرِهِ إلَيْهِ وَالْمَحَلُّ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْآلَةِ بَلْ يَكْفِي مِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ بَلْ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْمَحَلِّ فِي مَسَحْت الْحَائِطَ بِيَدَيَّ لِأَنَّ الْحَائِطَ اسْمُ الْمَجْمُوعِ وَقَدْ وَقَعَ مَقْصُودًا فَيُرَادُ كُلُّهُ بِخِلَافِ الْيَدِ فَإِذَا دَخَلَتْ الْبَاءُ فِي الْمَحَلِّ وَهِيَ حَرْفٌ مَخْصُوصٌ بِالْآلَةِ فَقَدْ شَبَّهَ

ــ

[التلويح]

عَلَى حُكْمِ النَّفْيِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ لَا آكُلُ أَكْلًا لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ لَا مِنْ قَبِيلِ لَا أَكَلُ لِمَا سَيَجِيءُ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ نِيَّةُ تَخْصِيصِهِ أَلَا يُرَى أَنَّ قَوْلَنَا لَا آتِيك إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا آتِيك إلَّا رَاكِبًا يُفِيدُ عُمُومَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا لَا آتِيك بِدُونِ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكَشْفِ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ يَتَنَاوَلُ الْمَصْدَرَ لُغَةً، وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي.

(قَوْلُهُ وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْغَايَةِ ظَاهِرَةٌ) لِأَنَّ الْغَايَةَ قَصْرٌ لِامْتِدَادِ الْمُغَيَّا، وَبَيَانٌ لِانْتِهَائِهِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ قَصْرٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيَانٌ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهِ، وَأَيْضًا كُلٌّ مِنْهُمَا إخْرَاجٌ لِبَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الصَّدْرُ.

(قَوْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ) ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هُنَاكَ وَجْهٌ ثَالِثٌ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِذْنِ لِكُلِّ خُرُوجٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْبَاءِ أَيْ إلَّا بِأَنْ آذَنَ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ إلَّا بِإِذْنِي، وَحَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ مَعَ إنْ وَأَنْ شَائِعٌ كَثِيرٌ، وَعِنْدَ تَعَارُضِ الْوَجْهَيْنِ يَبْقَى هَذَا الْوَجْهُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ، وَأَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ قَوْلَنَا الْآخَرَ وَجَاءَ بِإِذْنِي كَلَامٌ مُسْتَقِيمٌ بِخِلَافِ قَوْلِنَا إلَّا خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَكُمْ فَإِنَّهُ مُخْتَلٌّ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْتِعْمَالٌ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْإِذْنِ لِكُلِّ دُخُولٍ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: ٥٣] فَمُسْتَفَادٌ مِنْ الْقَرِينَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَاللَّفْظِيَّةِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: ٥٣] .

(قَوْلُهُ وَقَالُوا إنْ دَخَلَتْ فِي آلَةِ الْمَسْحِ) الْمَسْحُ هُوَ اللَّمْسُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ فَالْيَدُ آلَةٌ وَالْمَمْسُوحُ مَحَلُّ الْفِعْلِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْآلَةِ قَدْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>