للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ شَيْئَيْنِ

(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ التَّبْدِيلِ، وَهُوَ النَّسْخُ وَالْبَحْثُ هُنَا فِي تَعْرِيفِهِ وَجَوَازِهِ، وَمَحَلِّهِ وَشَرْطِهِ. وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخِ: وَهُوَ أَنْ يَرِدَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُتَرَاخِيًا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُقْتَضِيًا خِلَافَ حُكْمِهِ وَلَمَّا كَانَ الشَّارِعُ عَالِمًا بِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ مُؤَقَّتٌ إلَى وَقْتِ كَذَا كَانَ دَلِيلُ الثَّانِي بَيَانًا مَحْضًا لِمُدَّةِ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِ، وَلَمَّا كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا كَانَ الْبَقَاءُ فِيهِ أَصْلًا عِنْدَنَا لِجَهْلِنَا عَنْ مُدَّتِهِ فَالثَّانِي يَكُونُ تَبْدِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى عِلْمِنَا كَالْقَتْلِ بَيَانٌ لِلْأَجَلِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ، وَفِي حَقِّنَا تَبْدِيلٌ.

(وَهُوَ جَائِزٌ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْيَهُودِ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَاطِلٌ نَقْلًا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عَقْلًا، وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ مُسْلِمٍ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّرَائِعَ الْمَاضِيَةَ لَمْ تَرْتَفِعْ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتِلْكَ الشَّرَائِعُ بَاقِيَةٌ كَمَا كَانَتْ لَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يُجَوِّزُوا النَّسْخَ لَمْ يَرَوْا هَذَا الْمَعْنَى بَلْ

ــ

[التلويح]

فَأَفَادَ تَوْزِيعَ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً فَلَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ التَّبْدِيلِ]

(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) النَّسْخُ فِي اللُّغَةِ الْإِزَالَةُ يُقَالُ: نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ أَيْ: أَزَالَتْهُ، وَالنَّقْلُ يُقَالُ: نَسَخْت الْكِتَابَ أَيْ: نَقَلْت مَا فِيهِ إلَى آخَرَ وَنَسَخْت النَّخْلَ نَقَلْتهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَمِنْهُ الْمُنَاسَخَاتُ فِي الْمَوَارِيثِ لِانْتِقَالِ الْمَالِ مِنْ وَارِثٍ إلَى وَارِثٍ، وَفِي الشَّرْعِ هُوَ أَنْ يَرِدَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُتَرَاخِيًا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُقْتَضِيًا خِلَافَ حُكْمِهِ أَيْ: حُكْمِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ فَخَرَجَ التَّخْصِيصُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَرَاخِيًا وَخُرُوجُ وَوُرُودُ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ مُقْتَضِيًا خِلَافَ حُكْمِ الْعَقْلِ مِنْ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِخِلَافِ حُكْمِهِ مَا يُدَافِعُهُ وَيُنَافِيهِ لَا مُجَرَّدُ الْمُغَايَرَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَنَكَّرَ الدَّلِيلَ لِيَشْمَلَ الْكِتَابَ، وَالسُّنَّةَ قَوْلًا، وَفِعْلًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ وَخَرَجَ مَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْإِنْسَاءِ، وَالْإِذْهَابِ عَنْ الْقُلُوبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرِدَ دَلِيلٌ وَكَذَا نَسْخُ التِّلَاوَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْرِيفُ النَّسْخِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَحْكَامِ عَلَى أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلدَّلِيلِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ النَّاسِخِيَّةُ لَا مِنْ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، وَهُوَ الْمَنْسُوخِيَّةُ، وَقَدْ يُطْلَقُ النَّسْخُ بِمَعْنَى النَّاسِخِ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَنْ قَالَ: هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ بَاقِيًا ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ الشَّارِعِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَنْ قَالَ هُوَ رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَأَخِّرٍ لَا يُقَالُ: مَا ثَبَتَ فِي الْمَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ بُطْلَانُهُ لِتَحَقُّقِهِ قَطْعًا، وَمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ فَكَيْفَ يَبْطُلُ فَأَيًّا مَا كَانَ لَا رَفْعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ الْبُطْلَانَ بَلْ زَوَالَ مَا نَظُنُّ مِنْ التَّعَلُّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا النَّاسِخُ لَكَانَ فِي عُقُولِنَا ظَنُّ التَّعَلُّقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَبِالنَّاسِخِ زَالَ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ الْمَظْنُونُ.

(قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ الشَّارِعُ) يَعْنِي أَنَّ النَّسْخَ بَيَانٌ لِلْمُدَّةِ بِالنَّظَرِ إلَى عِلْمِ اللَّهِ وَتَبْدِيلٌ بِالنَّظَرِ إلَى عِلْمِنَا حَيْثُ ارْتَفَعَ بَقَاءُ مَا كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَهُ عِنْدَنَا

(قَوْلُهُ: وَنَحْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>