للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ عَقْلًا أَوْ حِسًّا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا وَهِيَ إمَّا خَارِجَةٌ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالْكَلَامِ كَدَلَالَةِ الْحَالِ نَحْوَ يَمِينِ الْفَوْرِ أَوْ مَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} [الإسراء: ٦٤] فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْصِيَةِ، أَوْ لَفْظٍ خَارِجٍ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩] فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَعْتَدْنَا} [الكهف: ٢٩] يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّخْيِيرِ وَنَحْوَ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ كُنْت رَجُلًا لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا

ــ

[التلويح]

الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ، وَكَلِمَةُ عَلَيَّ نَذْرٌ إلَّا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ غَلَبَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي مَعْنَى النَّذْرِ عَادَةً فَحُمِلَ عَلَيْهِ فَإِذَا نَوَاهُمَا فَقَدْ نَوَى بِكُلِّ لَفْظٍ مَا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَيُعْمَلُ بِنِيَّتِهِ، وَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ فِي كَلِمَتَيْنِ

[مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ]

(قَوْلُهُ مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ لِلْمَجَازِ مِنْ قَرِينَةٍ) مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ سَوَاءٌ جُعِلَتْ دَاخِلَةً فِي مَفْهُومِ الْمَجَازِ كَمَا هُوَ رَأْيُ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ أَوْ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ وَاعْتِبَارِهِ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ.

(قَوْلُهُ أَوْ عَادَةً) يَشْمَلُ الْعُرْفَ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا بِاسْتِعْمَالِ الْعَادَةِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْعُرْفِ فِي الْأَقْوَالِ.

(قَوْلُهُ نَحْوُ يَمِينِ الْفَوْرِ) هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ فَارَتْ الْقِدْرُ إذَا غَلَتْ اُسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْحَالَةُ الَّتِي لَا رَيْثَ فِيهَا وَلَا لُبْثَ فَقِيلَ رَجَعَ فُلَانٌ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْكُنَ.

(قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَفْزِزْ} [الإسراء: ٦٤] أَيْ اسْتَنْزِلْ أَوْ حَرِّكْ مَنْ اسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِوَسْوَسَتِك وَدُعَائِك إلَى الشَّرِّ فَهَاهُنَا قَرِينَةٌ مَانِعَةٌ عَنْ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الطَّلَبِ وَالْإِيجَابِ عَقْلًا، وَهِيَ كَوْنُ الْآمِرِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ حَكِيمًا لَا يَأْمُرُ إبْلِيسَ بِإِغْوَاءِ عِبَادِهِ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ تَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِقْدَارِهِ عَلَيْهِ لِعَلَاقَةِ أَنَّ الْإِيجَابَ يَقْتَضِي تَمَكُّنَ الْمَأْمُورِ مِنْ الْفِعْلِ وَقُدْرَتَهُ عَلَيْهِ لِسَلَامَةِ الْآلَاتِ وَالْأَسْبَابِ.

(قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ} [الكهف: ٢٩] مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ حَقِيقَةٌ فِي التَّخْيِيرِ وَالْإِذْنِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّ الْأَمْرَيْنِ شَاءَ لَكِنَّ قَوْلَهُ " إنَّا أَعْتَدْنَا " قَرِينَةٌ مَانِعَةٌ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ عَقْلًا إذْ لَا عَذَابَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمَا خُيِّرَ فِيهِ وَأُذِنَ، وَهَذِهِ الْقَرِينَةُ لَفْظٌ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ الْمَوْضُوعِ لِلتَّخْيِيرِ، وَكَذَا كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَجَازٌ لِلتَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ لَا حَقِيقَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِقَرِينَةِ مَنْ شَاءَ إذْ لَا يَخْتَصُّ الْإِيمَانُ شَرْعًا بِمَنْ شَاءَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِدَلَالَةِ الْعَقْلِ، وَقَوْلُهُ {إِنَّا أَعْتَدْنَا} [الكهف: ٢٩] الْآيَةَ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُ الْقَرِينَةِ الَّتِي هِيَ لَفْظٌ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ قَسِيمًا لِلْقَرِينَةِ الَّتِي هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالْكَلَامِ؟ قُلْنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَفْظٌ فَتَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ فَلَا تَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الْكَلَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَرِينَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ تَكُونَ لَفْظًا أَوْ لَا، وَاللَّفْظُ إمَّا أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْ الْكَلَامِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْمَجَازُ أَوْ لَا، وَغَيْرُ الْخَارِجِ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَنْعِ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ بِاعْتِبَارِ أَوْلَوِيَّةِ بَعْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>