للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَقِيقَةُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيَمِينَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لَكِنْ فِي الْإِنْشَاءَاتِ يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْكَلَامِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ فَالْحَقِيقِيُّ لِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ سَوَاءٌ أَرَادَ أَوْ لَمْ يُرِدْ وَالْمَجَازِيُّ إنْ أَرَادَ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ فَقَطْ أَوْ نَوَى النَّذْرَ مَعَ نَفْيِ الْيَمِينِ كَانَ نَذْرًا فَقَطْ عَمَلًا بِالصِّيغَةِ وَإِنْ نَوَاهُمَا أَوْ نَوَى الْيَمِينَ فَقَطْ فَنَذْرٌ وَيَمِينٌ، أَمَّا النَّذْرُ فَبِالصِّيغَةِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِرَادَةِ فِيمَا نَوَاهُمَا وَأَمَّا الْيَمِينُ فَبِالْإِرَادَةِ، وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ مَعَ نَفْيِ النَّذْرِ فَيَمِينٌ فَقَطْ وَهَذَا الَّذِي أَوْرَدْته إشْكَالًا وَهُوَ قَوْلُهُ (فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ النَّذْرُ أَيْضًا إذَا نَوَى أَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِنَذْرٍ) لِأَنَّ النَّذْرَ يَثْبُتُ بِالصِّيغَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ أَنَّهُ نَوَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَذْرٍ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ (قُلْنَا لَمَّا نَوَى مَجَازَهُ وَنَفَى حَقِيقَتَهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً) لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا نَفَى النَّذْرَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِيهِ حَتَّى يُوجِبَهُ الْقَاضِي وَلَا يُصَدِّقُهُ فِي نَفْيِهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَرَدْتُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَنَفَيْتُ الْحَقِيقِيَّ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ فَقَضَاءُ الْقَاضِي أَصْلٌ فِيهِ.

ــ

[التلويح]

لَا كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ، وَالْمَجَازُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَلِهَذَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَحْرِيرِ الْمَبْحَثِ عَنْ عِبَارَةِ الْقَوْمِ إلَى قَوْلِهِ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا فَإِذَا أُرِيدَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلصِّيغَةِ وَلَازِمُهُ الْمُتَأَخِّرُ كَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ سَوَاءٌ سُمِّيَتْ الصِّيغَةُ مَجَازًا أَوْ لَا.

(قَوْلُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِ هَذَا الْإِشْكَالِ) يَعْنِي أَصْلَ الْإِشْكَالِ الْمُتَوَهَّمِ عَلَى مَسْأَلَةِ امْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا الْإِشْكَالَ الْوَارِدَ عَلَى جَوَابِ الْقَوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِهَذَا الْمَقَالِ لَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا إذَا نَوَى الْيَمِينَ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا نَوَاهُمَا جَمِيعًا فَقَدْ تَحَقَّقَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مَعًا، وَلَا مَعْنَى لِلْجَمْعِ إلَّا هَذَا فَإِنْ قُلْت لَا عِبْرَةَ بِإِرَادَةِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ لِلْإِرَادَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ قُلْت فَلَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ يَثْبُتُ بِاللَّفْظِ فَلَا عِبْرَةَ بِإِرَادَتِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا وَقَعَ فِي خَاطِرِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى سَبِيلِ التَّوَارُدِ، وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ عَنْ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ مَعَ الْجَوَابِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَمَّا اُسْتُعْمِلَتْ الصِّيغَةُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ خَرَجَتْ الْيَمِينُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً فَصَارَتْ كَالْحَقِيقَةِ الْمَهْجُورَةِ فَلَا تَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَالثَّانِي أَنَّ تَحْرِيمَ تَرْكِ الْمَنْذُورِ يَثْبُتُ بِمُوجَبِ النَّذْرِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ يَمِينًا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهُ يَمِينًا إلَّا عِنْدَ الْقَصْدِ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَإِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ إعْتَاقًا قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ وَمِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ قَسَمٌ بِمَنْزِلَةِ بِاَللَّهِ كَمَا فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - دَخَلَ آدَم الْجَنَّةَ فَاَللَّهِ مَا غَرَبَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>