للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْكَلَامِ الْيَمِينُ وَالْمُرَادُ بِالْمُوجَبِ اللَّازِمُ الْمُتَأَخِّرُ، فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى لَازِمِهِ لَا تَكُونُ مَجَازًا كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْهَيْكَلُ الْمَخْصُوصُ يَدُلُّ عَلَى الشَّجَاعَةِ الَّتِي هِيَ لَازِمَةٌ لِلْأَسَدِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ وَلَا يَكُونُ مَجَازًا وَإِنَّمَا الْمَجَازُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ وَيُرَادُ بِهِ لَازِمُ الْمَوْضُوعِ لَهُ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَهُنَا وَقَعَ فِي خَاطِرِي إشْكَالٌ وَهُوَ قَوْلُهُ (يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا مُوجَبَهُ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) أَيْ الْيَمِينَ كَمَا إذَا اشْتَرَى الْقَرِيبَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجَبَهُ يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ) فِي جَوَابِ هَذَا الْإِشْكَالِ (لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِرَادَةِ) لِأَنَّهُ نَوَى الْيَمِينَ وَلَمْ يَنْوِ النَّذْرَ (لَكِنَّهُ يَثْبُتُ النَّذْرُ بِصِيغَتِهِ وَالْيَمِينُ بِإِرَادَتِهِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ مَوْضُوعٌ لِلنَّذْرِ وَهُوَ إنْشَاءٌ فَيَثْبُتُ الْمَوْضُوعُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ

ــ

[التلويح]

وَالْإِثْبَاتِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخَامِسُ يَمِينٌ، وَالسَّادِسُ نَذْرٌ وَعِنْدَهُمَا كِلَاهُمَا نَذْرٌ وَيَمِينٌ، وَهُمَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ فَمُوجَبُ الْأَوَّلِ الْوَفَاءُ بِالْمُلْتَزَمِ، وَالْقَضَاءُ عِنْدَ الْفَوْتِ لَا الْكَفَّارَةُ، وَمُوجَبُ الثَّانِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْبِرِّ، وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْفَوْتِ لَا الْقَضَاءُ، وَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فِي النَّذْرِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عُرْفًا وَلُغَةً، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِرَادَتُهُمَا مَعًا جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ لِكَوْنِهَا مَوْضُوعَةً لِذَلِكَ يَمِينٌ بِمُوجَبِهِ أَيْ لَازِمُهُ الْمُتَأَخِّرُ يَمِينٌ لِأَنَّ النَّذْرَ إيجَابٌ لِلْمُبَاحِ الَّذِي هُوَ صَوْمُ رَجَبٍ مَثَلًا، وَإِيجَابُ الْمُبَاحِ يُوجِبُ تَحْرِيمَ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ مُبَاحٌ أَيْضًا كَتَرْكِ الصَّوْمِ مَثَلًا لِأَنَّ إيجَابَ الشَّيْءِ يُوجِبُ الْمَنْعَ عَنْ ضِدِّهِ، وَتَحْرِيمُ الْمُبَاحِ يَمِينٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] أَيْ شَرَعَ لَكُمْ تَحْلِيلَهَا بِالْكَفَّارَةِ سَمَّى تَحْرِيمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَارِيَةَ أَوْ الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ يَمِينًا فَعَلَى تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُوجِبُ هُوَ نَفْسُ الْيَمِينِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَمِينٌ بِوَاسِطَةِ مُوجَبِهِ أَيْ أَثَرِهِ الثَّابِتِ بِهِ لِأَنَّ مُوجَبَ النَّذْرِ لُزُومُ الْمُنْذَرِ الَّذِي هُوَ جَائِزُ التَّرْكِ فِي نَفْسِهِ إذْ لَا نَذْرَ فِي الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ فَصَارَ النَّذْرُ تَحْرِيمًا لِلْمُبَاحِ بِوَاسِطَةِ مُوجَبِهِ أَيْ حُكْمِهِ، وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى لَازِمِ مَعْنَاهُ لَا تَكُونُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ مَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي اللَّازِمِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ اللَّازِمَ مَعَ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى وَلَازِمِهِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ، وَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجَازًا فَفَهْمُ الْجُزْءِ أَوْ اللَّازِمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسُ الْمُرَادِ فَاللَّفْظُ حِينَئِذٍ مَجَازٌ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءُ الْمُرَادِ أَوْ لَازِمُهُ فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ كَمَا إذَا فُهِمَ الْجِدَارُ مِنْ لَفْظِ الْبَيْتِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي مَعْنَاهُ، وَفُهِمَ الشَّجَاعَةُ مِنْ لَفْظِ الْأَسَدِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي السَّبُعِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ لَا تَجُوزُ فِيهَا، وَالْيَمِينُ لَازِمٌ لَهَا فَلَا جَمْعَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ هُوَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مَعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>